الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7942 ) فصل : ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى ، وصفاته ، نحو أن يحلف بأبيه ، أو الكعبة ، أو صحابي ، أو إمام [ ص: 386 ] قال الشافعي : أخشى أن يكون معصية . قال ابن عبد البر : وهذا أصل مجمع عليه . وقيل : يجوز ذلك ; لأن الله تعالى أقسم بمخلوقاته ، فقال : { والصافات صفا } . { والمرسلات عرفا } . { والنازعات غرقا } . { وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي السائل عن الصلاة : أفلح ، وأبيه ، إن صدق } . وقال في حديث أبي العشراء : { وأبيك لو طعنت في فخذها لأجزأك } .

                                                                                                                                            ولنا ، ما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدركه وهو يحلف بأبيه ، فقال : { إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليصمت } . قال عمر : فما حلفت بها بعد ذلك ، ذاكرا ولا آثرا متفق عليه . يعني ولا حاكيا لها عن غيري . وعن ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من حلف بغير الله ، فقد أشرك } . قال الترمذي : هذا حديث حسن . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من حلف باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من حلف بملة غير الإسلام كاذبا ، فهو كما قال } . متفق عليه .

                                                                                                                                            وفي لفظ : { من حلف إنه بريء من الإسلام ، فإن كان قد كذب ، فهو كما قال ، وإن كان صادقا ، لم يرجع إلى الإسلام سالما } . رواه أبو داود . فأما قسم الله بمصنوعاته ، فإنما أقسم به دلالة على قدرته وعظمته ، ولله - تعالى - أن يقسم بما شاء من خلقه ، ولا وجه للقياس على إقسامه . وقد قيل : إن في إقسامه إضمار القسم برب هذه المخلوقات ، فقوله : { والضحى } . أي ورب الضحى .

                                                                                                                                            وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم " أفلح ، وأبيه إن صدق " . فقال ابن عبد البر : هذه اللفظة غير محفوظة من وجه صحيح ، فقد رواه مالك وغيره من الحفاظ فلم يقولوها فيه . وحديث أبي العشراء ، قد قال أحمد : لو كان يثبت . يعني أنه لم يثبت ، ولهذا لم يعمل به الفقهاء في إباحة الذبح في الفخذ . ثم لو ثبت فالظاهر أن النهي بعده ; لأن عمر قد كان يحلف بها كما حلف بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهي عن الحلف بها ، ولم يرد بعد النهي إباحة ، ولذلك قال عمر ، وهو يروي الحديث بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم : فما حلفت بها ذاكرا ، ولا آثرا .

                                                                                                                                            ثم إن لم يكن الحلف بغير الله محرما فهو مكروه ، فإن حلف فليستغفر الله تعالى ، أو ليذكر الله تعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من حلف باللات والعزى ، فليقل : لا إله إلا الله } . لأن الحلف بغير الله سيئة ، والحسنة تمحو السيئة ، وقد قال الله تعالى : { إن الحسنات يذهبن السيئات } . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا عملت سيئة ، فأتبعها حسنة تمحها } . ولأن من حلف بغير الله ، فقد عظم غير الله تعظيما يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالى ، ولهذا سمي شركا ; لكونه أشرك غير الله مع الله - تعالى - في تعظيمه بالقسم به ، فيقول : لا إله إلا الله . توحيدا لله - تعالى ، وبراءة من الشرك . وقال الشافعي : من حلف بغير الله - تعالى ، فليقل : أستغفر الله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية