الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بهر ]

                                                          بهر : البهر : ما اتسع من الأرض . والبهرة : الأرض السهلة ، وقيل هي الأرض الواسعة بين الأجبل . وبهرة الوادي : سرارته وخيره . وبهرة كل شيء : وسطه . وبهرة الرحل كزفرته أي وسطه . وبهرة الليل والوادي والفرس : وسطه . وابهار النهار : وذلك حين ترتفع الشمس . وابهار الليل ابهيرارا إذا انتصف ، وقيل : ابهار تراكبت ظلمته ، وقيل : ابهار ذهبت عامته وأكثره وبقي نحو من ثلثه . وابهار علينا الليل أي طال . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه سار ليلة حتى ابهار الليل . قال الأصمعي : ابهار الليل يعني انتصف ، وهو مأخوذ من بهرة الشيء وهو وسطه . قال أبو سعيد الضرير : ابهيرار الليل طلوع نجومه إذا تتامت واستنارت ; لأن الليل إذا أقبل أقبلت فحمته وإذا استنارت النجوم ذهبت تلك الفحمة . وفي الحديث : فلما أبهر القوم احترقوا ، أي صاروا في بهرة النهار ، وهو وسطه . وتبهرت السحابة : أضاءت . قال رجل من الأعراب وقد كبر وكان في داخل بيته فمرت سحابة : كيف تراها يا بني ؟ فقال : أراها قد نكبت وتبهرت ، نكبت : عدلت . والبهر : الغلبة . وبهره يبهره بهرا : قهره وعلاه وغلبه . وبهرت فلانة النساء : غلبتهن حسنا . وبهر القمر النجوم بهورا : غمرها بضوئه ، قال :


                                                          غم النجوم ضوءه حين بهر فغمر النجم الذي كان ازدهر .



                                                          وهي ليلة البهر . والثلاث البهر : التي يغلب فيها ضوء القمر النجوم ، وهي الليلة السابعة والثامنة والتاسعة . يقال : قمر باهر إذا علا الكواكب ضوؤه وغلب ضوؤه ضوأها ; قال ذو الرمة يمدح عمر بن هبيرة :


                                                          ما زلت في درجات الأمر مرتقيا     تنمي وتسمو بك الفرعان من مضرا
                                                          حتى بهرت فما تخفى على أحد     إلا على أكمه ، لا يعرف القمرا .



                                                          أي علوت كل من يفاخرك فظهرت عليه . قال ابن بري : الذي أورده الجوهري وقد بهرت ، وصوابه حتى بهرت كما أوردناه ، وقوله : على أحد أحد ههنا بمعنى واحد ؛ لأن أحدا المستعمل بعد النفي في قولك : ما أحد في الدار لا يصح استعماله في الواجب . وفي الحديث : صلاة الضحى إذا بهرت الشمس الأرض أي غلبها نورها وضوؤها . وفي حديث علي : قال له عبد خير : أصلي الضحى إذا بزغت الشمس ؟ قال : لا ، حتى تبهر البتيراء ، أي يستبين ضوؤها . وفي حديث الفتنة : إن خشيت أن يبهرك شعاع السيف . ويقال لليالي البيض : بهر ، جمع باهر . ويقال : بهر بوزن ظلم جمع بهرة ، كل ذلك من كلام العرب . وبهر الرجل : برع ; وأنشد البيت أيضا :


                                                          حتى بهرت فما تخفى على أحد .



                                                          وبهرا له أي تعسا وغلبة ; قال ابن ميادة :


                                                          تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي     بجارية بهرا لهم بعدها بهرا !



                                                          وقال عمر بن أبي ربيعة :


                                                          ثم قالوا : تحبها قلت : بهرا !     عدد الرمل والحصى والتراب .



                                                          وقيل : معنى بهرا في هذا البيت جما ، وقيل : عجبا . قال سيبويه : لا [ ص: 165 ] فعل لقولهم بهرا له في حد الدعاء وإنما نصب على توهم الفعل وهو مما ينتصب على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره . وبهرهم الله بهرا : كربهم ، عن ابن الأعرابي . وبهرا له أي عجبا . وأبهر إذا جاء بالعجب . ابن الأعرابي : البهر : الغلبة ، والبهر : الملء ، والبهر : البعد ، والبهر : المباعدة من الخير ، والبهر : الخيبة ، والبهر : الفخر ، وأنشد بيت عمر بن أبي ربيعة قال أبو العباس : يجوز أن يكون كل ما قاله ابن الأعرابي في وجوه البهر أن يكون معنى لما قال عمر وأحسنها العجب . والبهار : المفاخرة . شمر : البهر التعس ، قال : وهو الهلاك . وأبهر إذا استغنى بعد فقر . وأبهر : تزوج سيدة ، وهي البهيرة . ويقال : فلانة بهيرة مهيرة . وأبهر إذا تلون في أخلاقه دماثة مرة وخبثا أخرى . والعرب تقول : الأزواج ثلاثة . زوج مهر ، وزوج بهر ، وزوج دهر ، فأما زوج مهر فرجل لا شرف له فهو يسني المهر ليرغب فيه ، وأما زوج بهر فالشريف وإن قل ماله تتزوجه المرأة لتفخر به ، وزوج دهر كفؤها ، وقيل في تفسيرهم : يبهر العيون بحسنه أو يعد لنوائب الدهر أو يؤخذ منه المهر . والبهر : انقطاع النفس من الإعياء ، وقد انبهر وبهر فهو مبهور وبهير ، قال الأعشى :


                                                          إذا ما تأتى يريد القيام     تهادى ، كما قد رأيت البهيرا .



                                                          والبهر ، بالضم : تتابع النفس من الإعياء ، وبالفتح المصدر ، بهره الحمل يبهره بهرا ، أي أوقع عليه البهر فانبهر أي تتابع نفسه . ويقال : بهر الرجل إذا عدا حتى غلبه البهر وهو الربو ، فهو مبهور وبهير . شمر : بهرت فلانا إذا غلبته ببطش أو لسان . وبهرت البعير إذا ما ركضته حتى ينقطع ; وأنشد بيت ابن ميادة :


                                                          ألا يا لقومي إذ يبيعون مهجتي     بجارية بهرا لهم بعدها بهرا !



                                                          ابن شميل : البهر تكلف الجهد إذا كلف فوق ذرعه ، يقال بهره إذا قطع بهره إذا قطع نفسه بضرب أو خنق أو ما كان ; وأنشد :


                                                          إن البخيل إذا سألت بهرته .



                                                          وفي الحديث : وقع عليه البهر ، وهو بالضم ما يعتري الإنسان عند السعي الشديد والعدو من النهيج وتتابع النفس ، ومنه حديث ابن عمر : أنه أصابه قطع أو بهر . وبهره : عالجه حتى انبهر . ويقال : انبهر فلان إذا بالغ في الشيء ولم يدع جهدا . ويقال : انبهر في الدعاء إذا تحوب وجهد ، وابتهر فلان في فلان ولفلان إذا لم يدع جهدا مما لفلان أو عليه ، وكذلك يقال : ابتهل في الدعاء ، قال : وهذا مما جعلت اللام فيه راء . وقال خالد بن جنبة ابتهل في الدعاء إذا كان لا يفرط عن ذلك ولا يثجو ، قال : لا يثجو لا يسكت عنه ، قال : وأنشد عجوز من بني دارم لشيخ من الحي في قعيدته :


                                                          ولا ينام الضيف من حذارها     وقولها الباطل وابتهارها .



                                                          وقال : الابتهار قول الكذب والحلف عليه . والابتهار : ادعاء الشيء كذبا ، قال الشاعر :


                                                          وما بي إن مدحتهم ابتهار .



                                                          وابتهر فلان بفلانة : شهر بها . والأبهر : عرق في الظهر يقال هو الوريد في العنق ، وبعضهم يجعله عرقا مستبطن الصلب ، وقيل : الأبهران الأكحلان ، وفلان شديد الأبهر أي الظهر . والأبهر : عرق إذا انقطع مات صاحبه ، وهما أبهران يخرجان من القلب ثم يتشعب منهما سائر الشرايين . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ; قال : ما زالت أكلة خيبر تعاودني فهذا أوان قطعت أبهري ، قال أبو عبيد : الأبهر عرق مستبطن في الصلب والقلب متصل به فإذا انقطع لم تكن معه حياة ; وأنشد الأصمعي لابن مقبل :


                                                          وللفؤاد وجيب تحت أبهره     لدم الغلام وراء الغيب بالحجر .



                                                          الوجيب : تحرك القلب تحت أبهره . واللدم : الضرب . والغيب : ما كان بينك وبينه حجاب ، يريد أن للفؤاد صوتا يسمعه ولا يراه كما يسمع صوت الحجر الذي يرمي به الصبي ولا يراه . وخص الوليد لأن الصبيان كثيرا ما يلعبون برمي الحجارة ، وفي شعره ( لدم الوليد ) بدل ( لدم الغلام ) . ابن الأثير : الأبهر عرق في الظهر وهما أبهران ، وقيل : هما الأكحلان اللذان في الذراعين ، وقيل : الأبهر عرق منشؤه من الرأس ويمتد إلى القدم وله شرايين تتصل بأكثر الأطراف والبدن ، فالذي في الرأس منه يسمى النأمة ومنه قولهم : أسكت الله نأمته أي أماته ، ويمتد إلى الحلق فيسمى فيه الوريد ، ويمتد إلى الصدر فيسمى الأبهر ، ويمتد إلى الظهر فيسمى الوتين ، والفؤاد معلق به ، ويمتد إلى الفخذ فيسمى النسا ، ويمتد إلى الساق فيسمى الصافن ، والهمزة في الأبهر زائدة ، قال : ويجوز في أوان الضم والفتح ، فالضم لأنه خبر المبتدأ والفتح على البناء لإضافته إلى مبني كقوله :


                                                          على حين عاتبت المشيب على الصبا     وقلت : ألما تصح والشيب وازع ؟



                                                          وفي حديث علي - كرم الله وجهه - : فيلقى بالفضاء منقطعا أبهراه . والأبهر من القوس : ما بين الطائف والكلية . الأصمعي : الأبهر من القوس كبدها ، وهو ما بين طرفي العلاقة ثم الكلية تلي ذلك ثم الأبهر يلي ذلك ثم الطائف ثم السية وهو ما عطف من طرفيها . ابن سيده : والأبهر من القوس ما دون الطائف وهما أبهران ، وقيل : الأبهر ظهر سية القوس ، والأبهر الجانب الأقصر من الريش ، والأباهر من ريش الطائر ما يلي الكلى ، أولها القوادم ثم المناكب ثم الخوافي ثم الأباهر ثم الكلى ، قال اللحياني : يقال لأربع ريشات من مقدم الجناح القوادم ، ولأربع تليهن المناكب ، ولأربع بعد المناكب الخوافي ، ولأربع بعد الخوافي الأباهر . ويقال : رأيت فلانا بهرة أي جهرة علانية ; وأنشد :


                                                          وكم من شجاع بادر الموت بهرة     يموت على ظهر الفراش ويهرم .



                                                          وتبهر الإناء : امتلأ ، قال أبو كبير الهذلي :


                                                          متبهرات بالسجال ملاؤها     يخرجن من لجف لها متلقم .



                                                          [ ص: 166 ] والبهار : الحمل ، وقيل : هو ثلثمائة رطل بالقبطية ، وقيل : أربعمائة رطل ، وقيل : ستمائة رطل ، عن أبي عمرو ، وقيل : ألف رطل ، وقال غيره : البهار ، بالضم ، شيء يوزن به وهو ثلثمائة رطل . وروي عن عمرو بن العاص أنه قال : إن ابن الصعبة ، يعني طلحة بن عبيد الله ، كان يقال لأمه الصعبة ; قال : إن ابن الصعبة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب وفضة فجعله وعاء ، قال أبو عبيد : بهار أحسبها كلمة غير عربية وأراها قبطية . الفراء : البهار ثلثمائة رطل ، وكذلك قال ابن الأعرابي ; قال : والمجلد ستمائة رطل ، قال الأزهري : وهذا يدل على أن البهار عربي صحيح وهو ما يحمل على البعير بلغة أهل الشام ، قال بريق الهذلي يصف سحابا ثقيلا :


                                                          بمرتجز كأن على ذراه     ركاب الشأم ، يحملن البهارا .



                                                          قال القتيبي : كيف يخلف في كل ثلثمائة رطل ثلاثة قناطير ؟ ولكن البهار الحمل ; وأنشد بيت الهذلي . وقال الأصمعي في قوله

                                                          يحملن البهارا : يحملن الأحمال من متاع البيت ; قال : وأراد أنه ترك مائة حمل . قال : مقدار الحمل منها ثلاثة قناطير ; قال : والقنطار مائة رطل فكان كل حمل منها ثلثمائة رطل . والبهار : إناء كالإبريق ; وأنشد :


                                                          على العلياء كوب أو بهار .



                                                          قال الأزهري : لا أعرف البهار بهذا المعنى . ابن سيده : والبهار كل شيء حسن منير . والبهار : نبت طيب الريح . الجوهري : البهار العرار الذي يقال له عين البقر وهو بهار البر ، وهو نبت جعد له فقاحة صفراء ينبت أيام الربيع يقال له العرارة . الأصمعي : العرار بهار البر . قال الأزهري : العرارة الحنوة ; قال : وأرى البهار فارسية . والبهار : البياض في لبب الفرس . والبهار : الخطاف الذي يطير تدعوه العامة عصفور الجنة . وامرأة بهيرة : صغيرة الخلق ضعيفة . قال الليث : وامرأة بهيرة وهي القصيرة الذليلة الخلقة ، ويقال : هي الضعيفة المشي . قال الأزهري : وهذا خطأ والذي أراد الليث البهترة بمعنى القصيرة ، وأما البهيرة من النساء فهي السيدة الشريفة ، ويقال للمرأة إذا ثقلت أردافها فإذا مشت وقع عليها البهر والربو : بهيرة ، ومنه قول الأعشى :


                                                          تهادى كما قد رأيت البهيرا .



                                                          وبهرها ببهتان : قذفها به . والابتهار : أن ترمي المرأة بنفسك وأنت كاذب ، وقيل : الابتهار أن ترمي الرجل بما فيه والابتيار أن ترميه بما ليس فيه . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : أنه رفع إليه غلام ابتهر جارية في شعره فلم يوجد الثبت فدرأ عنه الحد ، قال أبو عبيد : الابتهار أن يقذفها بنفسه فيقول : فعلت بها كاذبا ، فإن كان صادقا قد فعل فهو الابتيار على قلب الهاء ياء ، قال الكميت :


                                                          قبيح بمثلي نعت الفتا     ة ، إما ابتهارا وإما ابتيارا .



                                                          ومنه حديث العوام : الابتهار بالذنب أعظم من ركوبه وهو أن يقول فعلت ولم يفعل ; لأنه لم يدعه لنفسه إلا وهو لو قدر فعل ، فهو كفاعله بالنية وزاد عليه بقبحه وهتك ستره وتبجحه بذنب لم يفعله . وبهراء : حي من اليمن . قال كراع : بهراء ممدودة قبيلة وقد تقصر ، قال ابن سيده : لا أعلم أحدا حكى فيه القصر إلا هو وإنما المعروف فيه المد ، أنشد ثعلب :


                                                          وقد علمت بهراء أن سيوفنا     سيوف النصارى لا يليق بها الدم .



                                                          وقال معناه : لا يليق بنا أن نقتل مسلما لأنهم نصارى معاهدون ، والنسب إلى بهراء بهراوي ، بالواو على القياس ، وبهراني مثل بحراني على غير قياس ، النون فيه بدل من الهمزة ، قال ابن سيده : حكاه سيبويه . قال ابن جني : من حذاق أصحابنا من يذهب إلى أن النون في بهراني إنما هي بدل من الواو التي تبدل من همزة التأنيث في النسب ، وأن الأصل بهراوي ، وأن النون هناك بدل من هذه الواو كما أبدلت الواو من النون في قولك : من وافد ، وإن وقفت وقفت ونحو ذلك ، وكيف تصرفت الحال فالنون بدل من الهمزة ; قال : وإنما ذهب من ذهب إلى هذا ; لأنه لم ير النون أبدلت من الهمزة في غير هذا ، وكان يحتج في قولهم : إن نون فعلان بدل من همزة فعلاء ، فيقول : ليس غرضهم هنا البدل الذي هو نحو قولهم في ذئب ذيب وفي جؤنة جونة ، إنما يريدون أن النون تعاقب في هذا الموضع الهمزة كما تعاقب لام المعرفة التنوين أي تجتمع معه ، فلما لم تجامعه قيل : إنها بدل منه وكذلك النون والهمزة ; قال : وهذا مذهب ليس بقصد .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية