الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7953 ) مسألة ; قال : ( واليمين المكفرة ، أن يحلف بالله - عز وجل ، أو باسم من أسمائه ) أجمع أهل العلم على أن من حلف بالله - عز وجل ، فقال : والله ، أو بالله ، أو تالله . فحنث ، أن عليه الكفارة . قال ابن المنذر : وكان مالك ، والشافعي ، وأبو عبيد ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، يقولون : من حلف باسم من أسماء الله - تعالى ، فحنث ، أن عليه الكفارة . ولا نعلم في هذا خلافا إذا كان من أسماء الله - عز وجل ، التي لا يسمى بها سواه .

                                                                                                                                            وأسماء الله تنقسم ثلاثة أقسام ; أحدها ، ما لا يسمى بها غيره ، نحو قوله : والله والرحمن ، والأول الذي ليس قبله شيء ، والآخر الذي ليس بعده شيء ، ورب العالمين ، ومالك يوم الدين ، ورب السماوات والأرض ، والحي الذي لا يموت . ونحو هذا ، فالحلف بهذا يمين بكل حال . والثاني ، ما يسمى به غير الله تعالى مجازا ، وإطلاقه ينصرف إلى الله - سبحانه ، مثل الخالق ، والرازق ، والرب ، والرحيم ، والقادر ، والقاهر ، والملك ، والجبار . ونحوه ، فهذا يسمى به غير الله مجازا ; بدليل قول الله تعالى : { وتخلقون إفكا } . { وتذرون أحسن الخالقين } .

                                                                                                                                            وقوله : { ارجع إلى ربك } و . { اذكرني عند ربك . } فأنساه الشيطان ذكر ربه وقال : { فارزقوهم منه } . وقال : { بالمؤمنين رءوف رحيم } . فهذا إن نوى به اسم الله تعالى ، أو أطلق ، كان يمينا ; لأنه بإطلاقه ينصرف إليه . وإن نوى به غير الله - تعالى ، لم يكن يمينا ; لأنه يستعمل في غيره ، فينصرف بالنية إلى ما نواه . وهذا مذهب الشافعي . وقال طلحة العاقولي إذا قال : والرب ، والخالق والرازق . كان يمينا على كل حال ، كالأول ; لأنها لا تستعمل مع التعريف فاللام التعريف إلا في اسم الله ، فأشبهت القسم الأول .

                                                                                                                                            الثالث ، ما يسمى به الله - تعالى ، وغيره ، ولا ينصرف إليه بإطلاقه ، كالحي ، والعالم ، والموجود ، والمؤمن ، والكريم ، والشاكر . فهذا إن قصد به اليمين باسم الله - تعالى - كان يمينا ، وإن أطلق ، أو قصد غير الله - تعالى ، لم يكن يمينا ، فيختلف هذا القسم والذي قبله في حالة الإطلاق ، ففي الأول يكون يمينا ، وفي الثاني لا يكون يمينا . وقال القاضي ، والشافعي ، في هذا القسم : لا يكون يمينا ، وإن قصد به اسم الله - تعالى ; لأن اليمين إنما تنعقد لحرمة الاسم ، فمع الاشتراك لا تكون له حرمة ، والنية المجردة لا تنعقد بها اليمين .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه أقسم باسم الله تعالى ، قاصدا به الحلف به ، فكان يمينا مكفرة ، كالقسم الذي قبله . وقولهم : إن النية [ ص: 395 ] المجردة لا تنعقد بها اليمين . نقول به ، وما انعقد بالنية المجردة إنما انعقد بالاسم المحتمل ، المراد به اسم الله تعالى ، فإن النية تصرف اللفظ المحتمل إلى أحد محتملاته ، فيصير كالمصرح به ، كالكنايات وغيرها ، ولهذا لو نوى بالقسم الذي قبله غير الله - تعالى ، لم يكن يمينا ، لنيته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية