الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                                      التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل

                                                                                                                                                                                                                                      المهدوي - أبو العباس أحمد بن عمار المهدوي

                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 261 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      سورة الأحزاب

                                                                                                                                                                                                                                      القول من أولها إلى قوله تعالى: واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا [الآيات: 1-34]

                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا [ ص: 262 ] هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديرا [ ص: 263 ] يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا

                                                                                                                                                                                                                                      الأحكام والنسخ:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه : قال مجاهد: نزلت في رجل من قريش، كان يدعى ذا القلبين؛ من دهائه، وكان يقول: إن في جوفي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، قال: وكان من فهر، وقيل: إن ذلك الرجل عبد الله بن خطل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 264 ] الحسن: كان ذلك الرجل يقول: إن لي نفسا تأمرني بكذا، ونفسا تأمرني بكذا؛ فنزلت الآية.

                                                                                                                                                                                                                                      الزهري: نزل ذلك تمثيلا في زيد بن حارثة؛ والمعنى كما لا يكون لرجل قلبان؛ كذلك لا يكون ابن غيرك ابنك.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس كان المنافقون يقولون: لمحمد قلبان؛ فأكذبهم الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم يعني: قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، وحكم ذلك مذكور في (سورة المجادلة).

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وما جعل أدعياءكم أبناءكم : نزل ذلك في زيد بن حارثة، وكان يدعى ابن رسول الله، وكذلك قوله: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ، روي ذلك عن مجاهد وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ذلكم قولكم بأفواهكم أي: هو شيء تقولونه تشبيها لا حقيقة؛ يعني: قولهم: فلان ابن فلان، وقيل: إن الإشارة في قوله: {ذلكم} إلى الظهار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم : قال قتادة: هو أن ينسب الرجل إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو عام في ارتكاب كل ما نهي عنه، وكذلك مذهب عطاء وكثير من العلماء: أن ما أتاه الرجل وهو غير متعمد؛ كسلامه على الرجل الذي قد كان حلف ألا يسلم عليه وهو لا يعلم، وشبه ذلك؛ أنه لا كفارة فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 265 ] وقوله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم : قيل: المعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمر بشيء أو نهى عنه، ثم خالفت المأمور نفسه؛ كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولى بأن يتبعه من أمر نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بأن يحكم في الإنسان بما لا يحكم به الإنسان في نفسه؛ لوجوب طاعته صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأزواجه أمهاتهم يعني: في الحرمة، وقيل: المعنى: أنهن يحرم نكاحهن؛ كالأمهات.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين القول فيه قد تقدم في (سورة الأنفال) [75].

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن معناه: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إلا ما يجوز لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعين أمهات المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا : قال مجاهد: المعنى: إلا أن توصوا لمن حالفتموه، وآخيتموه، فأبيحت لهم الوصية، ونسخ الميراث.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 266 ] وقيل: يعني به: وصية الرجل لقرابته من الكفار، قاله الحسن، وعطاء، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وأكثر العلماء على أنه ناسخ لما كانوا عليه من التوارث بالمؤاخاة، والهجرة والحلف، على ما قدمناه في (سورة الأنفال) [72].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية