الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 156 ] الأحكام فصل في الأحكام قال الله تعالى : { ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } وقد بينا أن أصول الفقه : العلم بالأحكام فلا بد من تعريف الحكم . فنقول : هو لغة المنع والصرف ، ومنه الحكمة للحديدة التي في اللجام ، وبمعنى الإحكام ، ومنه الحكيم في صفاته سبحانه ، وفي الاصطلاح : خطاب الشرع المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير . فيخرج المتعلق بذات المكلف ، نحو { والله خلقكم وما تعملون } والمراد بالفعل جميع أعمال الجوارح ، وإن كان قد تقابل الأفعال بالأقوال في الإطلاق العرفي . وقولنا : " بفعل المكلف " فيه تجوز ، فإنه لا يتعلق التكليف إلا بمعدوم يمكن حدوثه ، والمعدوم ليس بفعل حقيقة . ولو احترز عنه لقيل : المتعلق بما يصح أن يكون فعلا ، وأشير بالتعلق إلى أن حاصل الحكم مجرد التعلق من غير أن يكون له [ ص: 157 ] تأثير في ذات الحاكم أو المحكوم عليه أو فيه . ونعني بالاقتضاء ما يفهم من خطاب التكليف من استدعاء الفعل أو الترك ، وبالتخيير التسوية بين الفعل والترك . والمراد " بأو " أن ما يتعلق على أحد الوجوه المذكورة كان حكما وإلا فلا يرد سؤال الترديد في الحد . هذا إن قلنا : إن الإباحة حكم شرعي ، ومن لم ير ذلك استغنى عن ذكر التخيير . أما تعلق الضمان بفعل الصبي ونحوه . فالمراد به تكليف الولي بأدائه من مال الصبي . ومنهم من قال : خطاب الله المتعلق بأفعال العباد ; ليدخل الصبي ، وهذا نشأ من الخلاف في أن الصبي مأمور بأمر الولي أو بأمر الشارع ؟ ، وزاد بعضهم في الحد التام العقل ليختص بالمميز . والخطاب يمكن معه لفهمه ، وإنما يمتنع في حقه التكليف ، وعبر ابن برهان : بأفعال المكلفين . وانفصل عن سؤال الأحكام الثابتة بخطاب الوضع في حق غير الإنسان من البهائم . قال : ; لأن ذلك ينسب إلى تفريط المالك في حفظها حتى لو قصد التفريط لم يكن لفعلها حكم . وهذا لا يفيده ، بل السؤال باق ; لأن فعلها معتبر في التضمين إما بكونه شرطا وإما سببا ، والشرطية والسببية حكم شرعي ولولا فعلها إما مضافا ، وإما مستقلا لم يجب الضمان . أو نقول : هو علة بدليل دوران الحكم معه وجودا وعدما [ ص: 158 ] لا يقال : الخطاب قديم فكيف يعرف الحكم الحادث ؟ ; لأنا نمنع كون الحكم حادثا . وقول الرازي هنا : إن الحادث هو التعلق فيه نظر ; لأن التعلق أمر نسبي يتوقف على وجود المنتسبين ، فيلزم حدوث الحكم . وأجيب بأن ذلك في الذهن لا في الخارج فلا يلزم حدوثه ; ولأن النسبة أمر اعتباري لا يوصف بحدوث ولا عدم . وصرح الغزالي في الوسيط في كتاب الطلاق بأن التعلق قديم ، وبه جزم الرازي في كتاب " القياس " في " المحصول " ، فحصل في المتعلق ثلاثة أقوال : قديم ، حادث ، لا يوصف بواحد منهما . والتحقيق أن للتعليق اعتبارين : أحدهما : قيام الطلب النفسي بالذات وهو قديم . والثاني : تعلق تنجيزي ، وهو الحادث ، وحينئذ فلا يبقى خلاف . والقول بحدوث التعلق يلائم قول من يقول : إن الله ليس آمرا في الأزل ، وهو القلانسي . وأبو الحسن الأشعري يأباه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية