الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كتاب الذبائح مناسبتها للمزارعة كونهما إتلافا في الحال للانتفاع بالنبات واللحم في المآل . الذبيحة اسم ما يذبح كالذبح بالكسر ، وأما بالفتح فقطع الأوداج . [ ص: 294 ]

( حرم ) ( حيوان من شأنه الذبح ) خرج السمك والجراد فيحلان بلا ذكاة ، ودخل المتردية والنطيحة وكل ( ما لم يذك ) ذكاء شرعيا اختياريا كان أو اضطراريا ( وذكاة الضرورة جرح ) وطعن وإنهار دم ( في أي موضع وقع من البدن ، ) ( و ) ذكاة ( الاختيار ) ( ذبح بين الحلق واللبة ) بالفتح : المنحر من الصدر ( وعروقه الحلقوم ) كله وسطه أو أعلاه أو أسفله : وهو مجرى النفس [ ص: 295 ] على الصحيح ( والمريء ) هو مجرى الطعام والشراب ( والودجان ) مجرى الدم ( وحل ) المذبوح ( بقطع أي ثلاث منها ) إذ للأكثر حكم الكل وهل يكفي قطع أكثر كل منها ؟ خلاف وصحح البزازي قطع كل حلقوم ومريء وأكثر ودج وسيجيء أنه يكفي من الحياة قدر ما يبقى في المذبوح

التالي السابق


كتاب الذبائح ( قوله مناسبتها للمزارعة إلخ ) كذا في شروح الهداية قال في الحواشي السعدية : كان ينبغي أن تبين المناسبة بين الذبائح والمساقاة لذكرها بعد المساقاة ، ويقول في كل منهما إصلاح ما لا ينتفع به بالأكل في الحال للانتفاع في المآل ا هـ .

أقول : قد يجاب بأنه لما كانت المساقاة متحدة مع المزارعة شروطا وحكما وخلافا كما مر ، وذكرا في كثير من الكتب في ترجمة واحدة ، ونقل القهستاني عن النتف أن المساقاة من المزارعة تسامحوا في ذلك ( قوله إتلافا في الحال ) لأن فيهما إلقاء البذر في الأرض واستهلاكه فيها وإزهاق روح الحيوان وتخريب بنيته ، لكن هذا الإتلاف في الحقيقة إصلاح فلا ينافي ما مر فتدبر ( قوله الذبيحة اسم ما يذبح ) فالإطلاق باعتبار ما يئول ( قوله كالذبح بالكسر ) فهما بمعنى واحد . ومنه قوله تعالى - { وفديناه بذبح عظيم } - ( قوله وأما بالفتح ) في بعض النسخ : وأما الفتح ، والمراد المفتوح ( قوله فقطع الأوداج ) فيه تغليب كما يأتي ، [ ص: 294 ] قوله من شأنه الذبح ) أي شرعا لأن السمك والجراد يمكن ذبحهما ط أي إن كان لهما أوداج ، وإلا فلا يمكن فيهما أصلا تأمل ( قوله ودخل ) أي فيما يحرم المتردية والنطيحة ، وكذا المريضة والتي بقر الذئب بطنها على ما يأتي بيانه ( قوله وكل ما لم يذك ) هذا الدخول اقتضى خروج المتن عن كونه قيدا في التعريف ا هـح ( قوله ذكاء شرعيا ) المعروف الذكاة بالهاء فليراجع ا هـ ح .

أقول : في القاموس التذكية الذبح كالذكاء والذكاة ( قوله وذكاة الضرورة ) أي في صيد غير مستأنس ونحوه مما يأتي متنا وشرحا ( قوله وطعن وإنهار دم ) كذا في المنح ، فالأول عطف خاص على عام والثاني مسبب عنهما . قال ط : ولو اقتصر على الجرح كما اقتصر غيره لكان أولى ( قوله بين الحلق واللبة ) الحلق في الأصل الحلقوم كما في القاموس : أي من العقدة إلى مبدإ الصدر ، وكلام التحفة والكافي وغيرهما يدل على أن الحلق يستعمل في العنق بعلاقة الجزئية ، فالمعنى بين مبدأ الحلق : أي أصل العنق كما في القهستاني ، فكلام المصنف محتمل للروايتين الآتيتين ( قوله بالفتح ) أي والتشديد ( قوله وعروقه ) أي الحلق لا الذبح قهستاني ( قوله الحلقوم ) هو الحلق زيد فيه الواو والميم كما في المقاييس قهستاني ( قوله وسطه أو أعلاه أو أسفله ) العبارة للإمام محمد في الجامع الصغير لكنها بالواو ، وأتى الشارح بأو إشارة إلى أن الواو فيها بمعنى أو ، إذ ليس الشرط وقوع الذبح في الأعلى والأوسط والأسفل بل في واحد منها فافهم . قال في الهداية وفي الجامع الصغير : لا بأس بالذبح في الحلق كله وسطه وأعلاه وأسفله ، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { الذكاة ما بين اللبة واللحيين } ولأنه مجمع العروق فيحصل بالفعل فيه إنهار الدم على أبلغ الوجوه فكان حكم الكل سواء ا هـ . وعبارة المبسوط : الذبح ما بين اللبة واللحيين كالحديث .

قال في النهاية : وبينهما اختلاف من حيث الظاهر لأن رواية المبسوط تقتضي الحل فيما إذا وقع الذبح قبل العقدة لأنه بين اللبة واللحيين ، ورواية الجامع تقتضي عدمه لأنه إذا وقع قبلها لم يكن الحلق محل الذبح فكانت رواية الجامع مقيدة لإطلاق رواية المبسوط ، وقد صرح في الذخيرة بأن الذبح إذا وقع أعلى من الحلقوم لا يحل لأن المذبح هو الحلقوم لكن رواية الإمام الرستغفني تخالف هذه ، حيث قال : هذا قول العوام وليس بمعتبر ، فتحل سواء بقيت العقدة مما يلي الرأس أو الصدر ، لأن المعتبر عندنا قطع أكثر الأوداج وقد وجد ، وكان شيخي يفتي بهذه الرواية ويقول : الرستغفني إمام معتمد في القول والعمل ، ولو أخذنا يوم القيامة للعمل بروايته نأخذه كما أخذنا ا هـ ما في النهاية ملخصا . وذكر في العناية أن الحديث دليل ظاهر لهذه الرواية ورواية المبسوط تساعدها ، وما في الذخيرة مخالف لظاهر الحديث ا هـ .

أقول : بل رواية الجامع تساعد رواية الرستغفني أيضا ، ولا تخالف رواية المبسوط بناء على ما مر عن القهستاني من إطلاق الحلق على العنق ، وقد شنع الأتقاني في غاية البيان على من خالف تلك الرواية غاية التشنيع ، [ ص: 295 ]

وقال : ألا ترى قول محمد في الجامع أو أعلاه فإذا ذبح في الأعلى لا بد أن تبقى العقدة تحت ولم يلتفت إلى العقدة في كلام الله تعالى ولا كلام رسوله صلى الله عليه وسلم بل الذكاة بين اللبة واللحيين بالحديث ، وقد حصلت لا سيما على قول الإمام من الاكتفاء بثلاث من الأربع أيا كانت .

ويجوز ترك الحلقوم أصلا فبالأولى إذا قطع من أعلاه وبقيت العقدة أسفل ا هـ ، ومثله في المنح عن البزازية وبه جزم صاحب الدرر والملتقى والعيني وغيرهم ، لكن جزم في النقاية والمواهب والإصلاح بأنه لا بد أن تكون العقدة مما يلي الرأس وإليه مال الزيلعي وقال : ما قاله الرستغفني مشكل ، فإنه لم يوجد فيه قطع الحلقوم ولا المريء وأصحابنا وإن اشترطوا قطع الأكثر فلا بد من قطع أحدهما عند الكل ، وإذا لم يبق شيء من العقدة مما يلي الرأس لم يحصل قطع واحد منهما فلا يؤكل بالإجماع إلخ . ورده محشيه الشلبي والحموي . وقال المقدسي : قوله لم يحصل قطع واحد منهما ممنوع بل خلاف الواقع ، لأن المراد بقطعهما فصلهما عن الرأس أو عن الاتصال باللبة ا هـ .

وقال الرملي : لا يلزم منه عدم قطع المريء إذ يمكن أن يقطع الحرقد كزبرج وهو أصل اللسان وينزل على المريء فيقطعه فيحصل قطع الثلاثة ا هـ .

أقول : والتحرير للمقام أن يقال : إن كان بالذبح فوق العقدة حصل قطع ثلاثة من العروق . فالحق ما قاله شراح الهداية تبعا للرستغفني ، وإلا فالحق خلافه ، إذ لم يوجد شرط الحل باتفاق أهل المذهب ، ويظهر ذلك بالمشاهدة أو سؤال أهل الخبرة ، فاغتنم هذا المقال ودع عنك الجدال ( قوله على الصحيح ) لأنه المذكور في أكثر كتب اللغة والطب .

وفي الهداية أنه مجرى العلف والماء ، والمريء مجرى النفس . قال صدر الشريعة : وهو سهو ، لكن نقل مثله ابن الكمال عن الكشاف في تفسير سورة الأحزاب والقهستاني عن المبسوطين . وقال في الطلبة : الحلقوم مجرى الطعام ، والمريء مجرى الشراب . وفي العيني أنه مجراهما ( قوله والمريء ) بالهمز قال في القاموس كأمير ( قوله والودجان ) تثنية ودج بفتحتين : عرقان عظيمان في جانبي قدام العنق بينهما الحلقوم والمريء قهستاني ( قوله إذ للأكثر حكم الكل ) ولقوله عليه الصلاة والسلام { أفر الأوداج بما شئت } وهو اسم جمع وأقله ثلاث .

قال في العناية : والفري القطع للإصلاح ، والإفراء للإفساد فكسر الهمزة أنسب ( قوله وهل يكفي قطع أكثر كل منها ) أي من الأربعة ، وهذا قول محمد والأول قول الإمام . وعند أبي يوسف يشترط قطع الأولين وأحد الودجين ، وكان قوله قول الإمام ، وعن أبي يوسف رواية ثالثة ، وهي اشتراط قطع الحلقوم مع آخرين ذكره الأتقاني وغيره ( قوله وصحح البزازي إلخ ) عبارته : أصح الأجوبة في الأكثر عنه : إذا قطع الحلقوم والمريء الأكثر من كل ودجين يؤكل وما لا فلا ا هـ . ويظهر من كلام غيره أن الضمير في عنه راجع للإمام محمد فتأمل ، ( وقوله وسيجيء ) أي قبيل قوله ذبح شاة . وفي المنح عن الجوهرة والينابيع : إذا مرضت الشاة ولم يبق فيها من الحياة إلا مقدار ما يعيش المذبوح ، فعندهما لا تحل بالذكاة ، والمختار أن كل شيء ذبح وهو حي أكل ، عليه الفتوى - { إلا ما ذكيتم } - من غير تفصيل




الخدمات العلمية