الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 149 ] باب حكم المرتد

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ومن ارتد عن الإسلام إلى أي كفر ، كان مولودا على الإسلام ، أو أسلم ثم ارتد ، قتل " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الردة في اللغة : فهي الرجوع عن الشيء إلى غيره ، قال الله تعالى : ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين [ المائدة : 121 ] .

                                                                                                                                            وأما الردة في الشرع : فهي الرجوع عن الإسلام إلى الكفر .

                                                                                                                                            وهو محظور لا يجوز الإقرار عليه .

                                                                                                                                            قال الله تعالى : ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين [ المائدة : 5 ] .

                                                                                                                                            وقال تعالى : ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة الآية [ البقرة : 217 ] .

                                                                                                                                            وقال تعالى : إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم الآية [ النساء : 137 ] .

                                                                                                                                            وفيها ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : أنهم اليهود ، آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل ، ثم آمنوا بموسى بعد عوده ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول قتادة .

                                                                                                                                            والثاني : أنهم المنافقون ، آمنوا ثم ارتدوا ، ثم آمنوا ثم ارتدوا ، ثم ازدادوا كفرا بموتهم على كفرهم ، وهذا قول مجاهد .

                                                                                                                                            والثالث : أنهم قوم من أهل الكتاب ، قصدوا تشكيك المؤمنين ، فكانوا يظهرون الإيمان ثم الكفر مرة بعد أخرى ، ثم ازدادوا كفرا بثبوتهم عليه ، وهذا قول الحسن .

                                                                                                                                            فإذا ثبت حظر الردة بكتاب الله تعالى ، فهي موجبة للقتل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع صحابته رضي الله عنهم . [ ص: 150 ] روى أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من بدل دينه فاقتلوه .

                                                                                                                                            وروى عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، أو زنى بعد إحصان ، أو قتل نفس بغير نفس .

                                                                                                                                            وقاتل أبو بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الردة ووضع فيهم السيف حتى أسلموا .

                                                                                                                                            وروى الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز ، أن أبا بكر قتل أم قرفة الفزارية قتل مثلة ، شد رجليها بفرسين ، ثم صاح بهما فشقاها .

                                                                                                                                            وهذا التناهي منه في نكال القتل ، وإن لم يكن متبوعا فيه فلانتشار الردة في أيامه ، وتسرع الناس إليها ، لتكون هذه المثلة أشد زجرا لهم عن الردة ، وأبعث لهم على التوبة .

                                                                                                                                            ومثله ما روي أن قوما غلوا في علي عليه السلام وقالوا له : أنت إله . فأجج لهم نارا وحرقهم فيها .

                                                                                                                                            فقال ابن عباس : لو كنت أنا لقتلتهم بالسيف ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا تعذبوا بعذاب الله ، من بدل دينه فاقتلوه فقال علي رضوان الله عليه :

                                                                                                                                            لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت نارا ودعوت قنبرا

                                                                                                                                            وروى عبد الملك بن عمير قال : شهدت عليا عليه السلام وقد أتى بالمستورد بن قبيصة العجلي وقد تنصر بعد إسلامه . فقال له علي : حدثت عنك أنك تنصرت .

                                                                                                                                            فقال المستورد : أنا على دين المسيح .

                                                                                                                                            فقال له علي : وأنا أيضا على دين المسيح .

                                                                                                                                            ثم قال له : ما تقول فيه ؟ - فتكلم بكلام خفي على علي .

                                                                                                                                            فقال علي رضوان الله عليه : طؤوه ، فوطئ حتى مات . [ ص: 151 ] فقلت للذي يليني : ما قال ؟

                                                                                                                                            قال : إن المسيح ربه .

                                                                                                                                            وروي أن معاذ بن جبل قدم اليمن وبها أبو موسى الأشعري ، فقيل له : إن يهوديا أسلم ، ثم ارتد منذ شهرين .

                                                                                                                                            فقال : والله لا أجلس حتى يقتل ، قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، فقتل
                                                                                                                                            .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية