الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون

قوله: "وكلا" مفعول مقدم بـ "نقص"، وقيل: هو منصوب على الحال، وقيل: على المصدر.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

وهذان ضعيفان.

[ ص: 36 ] و"ما" بدل من قوله: "وكلا"، و نثبت به فؤادك أي: نؤنسك فيما تلقاه، ونجعل لك الأسوة في من تقدمك من الأنبياء، وقوله: في هذه ، قال الحسن : هي إشارة إلى دار الدنيا، وقال ابن عباس : إلى السورة والآيات التي فيها ذكر قصص الأمم. وهذا قول الجمهور.

قال القاضي أبو محمد رحمه الله:

ووجه تخصيص هذه السورة بوصفها بـ"الحق"- والقرآن كله حق- أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر أي: جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة، وهذا كما يقال عند الشدائد: "جاء الحق" ، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه، ولا يستعمل في ذلك "جاء الحق"، ثم وصف أيضا أن ما تضمنته السورة هي موعظة وذكرى للمؤمنين، فهذا يؤيد أن لفظة "الحق" إنما تختص بما تضمنت من وعيد للكفرة.

وقوله تعالى: وقل للذين لا يؤمنون الآية. هذه آية وعيد، أي: اعملوا على حالاتكم التي أنتم عليها من كفركم. وقرأ الجمهور هنا: "مكانتكم" واحدة دالة على جمع، وألفاظ هذه الآية تصلح للموادعة، وتصلح أن تقال على جهة الوعيد المحض والحرب قائمة.

وقوله تعالى: ولله غيب السماوات والأرض الآية. هذه آية تعظم وانفراد بما لا حظ لمخلوق فيه، وهو علم الغيب، وتبيين أن الخير والشر وجليل الأشياء وحقيرها - مصروف إلى أحكام مالكه، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعبادة والتوكل على الله تبارك وتعالى، وفيها زوال همه وصلاحه ووصوله إلى رضوان الله.

وقرأ السبعة غير نافع "يرجع الأمر" على بناء الفعل للفاعل، وقرأ نافع : وحفص عن عاصم : "يرجع الأمر" على بنائه للمفعول، ورواها ابن أبي الزناد عن أهل [ ص: 37 ] المدينة. وقرأ "تعملون" بالتاء من فوق، نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم ، وهي قراءة الأعرج، والحسن وأبي جعفر، وشيبة، وعيسى بن عمرو، وقتادة ، والجحدري، واختلف عن الحسن، وعيسى. وقرأ الباقون: "يعلمون" بالياء على كناية الغائب.

تم بتوفيق من الله تبارك وتعالى تفسير سورة هود والحمد لله رب العالمين

التالي السابق


الخدمات العلمية