الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ بوع ]

                                                          بوع : الباع والبوع والبوع : مسافة ما بين الكفين إذا بسطتهما الأخيرة هذلية ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فلو كان حبلا من ثمانين قامة وخمسين بوعا نالها بالأنامل .



                                                          والجمع أبواع . وفي الحديث : " إذا تقرب العبد مني بوعا أتيته هرولة " ، البوع والباع سواء ، وهو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن ، وهو ههنا مثل لقرب ألطاف الله من العبد إذا تقرب إليه بالإخلاص والطاعة . وباع يبوع بوعا : بسط باعه . وباع الحبل يبوعه بوعا : مد يديه معه حتى صار باعا وبعته ، وقيل : هو مدكه بباعك كما تقول شبرته من الشبر ، والمعنيان متقاربان ، قال ذو الرمة يصف أرضا :


                                                          ومستامة تستام ، وهي رخيصة     تباع بساحات الأيادي وتمسح .



                                                          مستامة يعني أرضا تسوم فيها الإبل من السير لا من السوم الذي هو [ ص: 181 ] البيع ، وتباع أي تمد فيها الإبل أبواعها وأيديها ، وتمسح من المسح الذي هو القطع كقوله تعالى : فطفق مسحا بالسوق والأعناق ; أي قطعها . والإبل تبوع في سيرها وتبوع : تمد أبواعها ، وكذلك الظباء . والبائع ولد الظبي إذا باع في مشيه صفة غالبة ، والجمع بوع وبوائع . ومر يبوع ويتبوع أي يمد باعه ويملأ ما بين خطوه . والباع : السعة في المكارم ، وقد قصر باعه عن ذلك : لم يسعه كله على المثل ، ولا يستعمل البوع هنا . وباع بماله يبوع : بسط به باعه ، قال الطرماح :


                                                          لقد خفت أن ألقى المنايا ، ولم أنل     من المال ما أسمو به وأبوع .



                                                          ورجل طويل الباع أي الجسم ، وطويل الباع وقصيره في الكرم ، وهو على المثل ، ولا يقال قصير الباع في الجسم ، وجمل بواع : جسيم . وربما عبر بالباع عن الشرف والكرم ، قال العجاج :


                                                          إذا الكرام ابتدروا الباع بدر     تقضي البازي إذا البازي كسر .



                                                          وقال حجر بن خالد :


                                                          ندهدق بضع اللحم للباع والندى     وبعضهم تغلي بذم مناقعه .



                                                          وفي نسخة : مراجله . قال الأزهري : البوع والباع لغتان ، ولكنهم يسمون البوع في الخلقة ، فأما بسط الباع في الكرم ونحوه ، فلا يقولون إلا كريم الباع ; قال : والبوع مصدر باع يبوع وهو بسط الباع في المشي ، والإبل تبوع في سيرها . وقال بعض أهل العربية : إن رباع بني فلان قد بعن من البيع ، وقد بعن من البوع ، فضموا الباء في البوع وكسروها في البيع للفرق بين الفاعل والمفعول ; ألا ترى أنك تقول : رأيت إماء بعن متاعا إذا كن بائعات ، ثم تقول : رأيت إماء بعن إذا كن مبيعات ؟ فإنما بين الفاعل من المفعول باختلاف الحركات وكذلك من البوع ، قال الأزهري : ومن العرب من يجري ذوات الياء على الكسر وذوات الواو على الضم ، سمعت العرب تقول : صفنا بمكان كذا وكذا أي أقمنا به في الصيف ، وصفنا أيضا أي أصابنا مطر الصيف ، فلم يفرقوا بين فعل الفاعلين والمفعولين . وقال الأصمعي : قال أبو عمرو بن العلاء : سمعت ذا الرمة يقول : ما رأيت أفصح من أمة آل فلان ، قلت لها : كيف كان المطر عندكم ؟ فقالت : غثنا ما شئنا ، رواه هكذا بالكسر . وروى ابن هانئ عن أبي زيد قال : يقال للإماء قد بعن ، أشموا الباء شيئا من الرفع ، وكذلك الخيل قد قدن والنساء قد عدن من مرضهن ، أشموا كل هذا شيئا من الرفع نحو : قد قيل ذلك ، وبعضهم يقول : قول . وباع الفرس في جريه أي أبعد الخطو ، وكذلك الناقة ، ومنه قول بشر بن أبي خازم :


                                                          فعد طلابها وتسل عنها     بحرف ، قد تغير إذا تبوع .



                                                          ويروى :


                                                          فدع هندا وسل النفس عنها .



                                                          وقال اللحياني : يقال والله لا تبلغون تبوعه أي لا تلحقون شأوه ، وأصله طول خطاه . يقال : باع وانباع وتبوع . وانباع العرق : سال ، وقال عنترة :


                                                          ينباع من ذفرى غضوب جسرة     زيافة مثل الفنيق المكدم .



                                                          قال أحمد بن عبيد : ينباع ينفعل من باع يبوع إذا جرى جريا لينا وتثنى وتلوى ; قال : وإنما يصف الشاعر عرق الناقة وأنه يتلوى في هذا الموضع ، وأصله ينبوع فصارت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ; قال : وقول أكثر أهل اللغة أن ينباع كان في الأصل ينبع فوصل فتحة الباء بالألف ، وكل راشح منباع . وانباع الرجل : وثب بعد سكون ، وانباع : سطا ، وقال اللحياني : وانباعت الحية إذا بسطت نفسها بعد تحويها لتساور ، وقال الشاعر :


                                                          ثمت ينباع انبياع الشجاع     ومن أمثال العرب : مطرق .



                                                          لينباع ، يضرب مثلا للرجل إذا أضب على داهية ، وقول صخر الهذلي :


                                                          لفاتح البيع يوم رؤيتها     وكان قبل انبياعه لكد .



                                                          قال : انبياعه مسامحته بالبيع . يقال : قد انباع لي إذا سامح في البيع ، وأجاب إليه وإن لم يسامح . قال الأزهري : لا ينباع ، وقيل : البيع والانبياع الانبساط . وفاتح أي كاشف ، يصف امرأة حسناء يقول : لو تعرضت لراهب تلبد شعره لانبسط إليها . واللكد : العسر ، وقبله :


                                                          والله لو أسمعت مقالتها     شيخا من الزب ، رأسه لبد .



                                                          لفاتح البيع أي لكاشف الانبساط إليها ولفرج الخطو إليها ، قال الأزهري : هكذا فسر في شعر الهذليين . ابن الأعرابي : يقال بع بع إذا أمرته بمد باعيه في طاعة الله . ومثل مخرنبق لينباع أي ساكت ليثب أو ليسطو . وانباع الشجاع من الصف : برز ، عن الفارسي ، وعليه وجه قوله :


                                                          ينباع من ذفرى غضوب جسرة     زيافة مثل الفنيق المكدم .



                                                          لا على الإشباع كما ذهب إليه غيره .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية