الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الفتن والملاحم باب ذكر الفتن ودلائلها

                                                                      4240 حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه حفظه من حفظه ونسيه من نسيه قد علمه أصحابه هؤلاء وإنه ليكون منه الشيء فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ثم إذا رآه عرفه

                                                                      التالي السابق


                                                                      قال العيني : الفتن بكسر الفاء جمع فتنة وهي المحنة والفضيحة والعذاب ، ويقال أصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه ، ثم أطلقت على كل مكروه وآيل إليه كالكفر والإثم والفضيحة والفجور وغير ذلك . انتهى .

                                                                      والملاحم جمع ملحمة وهو موضع القتال ، إما من اللحم لكثرة لحوم القتلى فيها أو من لحمة الثوب لاشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب لسداه ، والأول أنسب وأقرب .

                                                                      وفي مشارق الأنوار : ملاحم القتال معاركها وهي مواضع القتال ، ولكن قال في القاموس الملحمة الوقعة العظيمة ، وفي الصراح ملحمة فتنة وحرب بزركك .

                                                                      ( قام ) : أي خطيبا وواعظا ( فينا ) : أي فيما بيننا أو لأجل أن يعظنا ويخبرنا بما سيظهر من الفتن لنكون على حذر منها في كل الزمن ( قائما ) : هكذا في جميع نسخ الكتاب والظاهر قياما وفي رواية مسلم مقاما ( شيئا يكون ) بمعنى يوجد صفة شيئا ، وقوله ( في [ ص: 238 ] مقامه ) : متعلق بترك ( ذلك ) : صفة مقامه إشارة إلى زمانه صلى الله عليه وسلم ، وقوله ( إلى قيام الساعة ) : غاية ليكون ، والمعنى قام قائما ، فما ترك شيئا يحدث فيه ، وينبغي أن يخبر بما يظهر من الفتن من ذلك الوقت إلى قيام الساعة ( إلا حدثه ) : أي ذلك الشيء الكائن ( حفظه من حفظه ) : أي المحدث به ( قد علمه ) : أي هذا القيام أو هذا الكلام بطريق الإجمال ( هؤلاء ) : أي الموجودون من جملة الصحابة ، لكن بعضهم لا يعلمونه مفصلا لما وقع لهم بعض النسيان الذي هو من خواص الإنسان ، وأنا الآخر ممن نسي بعضه ، وهذا معنى قوله ( وإنه ) : أي الشأن ( ليكون ) : منه الشيء واللام في ليكون مفتوحة على أنه جواب لقسم مقدر ، والمعنى : ليقع شيء مما ذكره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقد نسيته .

                                                                      وفي رواية البخاري ومسلم : وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته ( فأذكره ) : أي فإذا عاينته تذكرت ما نسيته ( إذا غاب عنه ) : أي ثم ينسى .

                                                                      وفيه كمال علمه صلى الله عليه وسلم بما يكون وكمال علم حذيفة واهتمامه بذلك واجتنابه من الآفات والفتن . [ ص: 239 ]

                                                                      وقد استدل بهذا الحديث بعض أهل البدع والهوى على إثبات الغيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا جهل من هؤلاء ، لأن علم الغيب مختص بالله تعالى ، وما وقع منه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الله بوحي ، والشاهد لهذا قوله تعالى 72 26 27 عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول أي ليكون معجزة له . فكل ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من الأنباء المنبئة عن الغيوب ليس هو إلا من إعلام الله له به إعلاما على ثبوت نبوته ودليلا على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم .

                                                                      قال علي القاري في شرح الفقه الأكبر : إن الأنبياء لم يعلموا المغيبات من الأشياء إلا ما أعلمهم الله أحيانا ، وذكر الحنفية تصريحا بالتكفير باعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب لمعارضة قوله تعالى 27 65 65 قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله كذا في المسايرة .

                                                                      وقال بعض الأعلام في إبطال الباطل : من ضروريات الدين أن علم الغيب مخصوص بالله تعالى والنصوص في ذلك كثيرة 6 59 59 وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر الآية ، و 31 34 34 إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث الآية ، فلا يصح لغير الله تعالى أن يقال له إنه يعلم الغيب ، ولهذا لما قيل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجز :

                                                                      وفينا نبي يعلم ما في غد



                                                                      أنكر على قائله وقال : دع هذا وقل غير هذا .

                                                                      وبالجملة لا يجوز أن يقال لأحد إنه يعلم الغيب . نعم الإخبار بالغيب بتعليم الله تعالى جائز ، وطريق هذا التعليم إما الوحي أو الإلهام عند من يجعله طريقا إلى علم الغيب انتهى .

                                                                      وفي البحر الرائق : لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد النكاح ويكفر لاعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب . انتهى .

                                                                      قال المزي في الأطراف : وأخرجه البخاري في القدر وأخرجه مسلم وأبو داود في الفتن . انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية