الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8500 ) مسألة ; قال : ( ومن ادعى دابة في يد رجل ، فأنكر ، وأقام كل واحد منهما بينة ، حكم بها للمدعي ببينته ، ولم يلتفت إلى بينة المدعى عليه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بسماع بينة المدعي ويمين المدعى عليه ، وسواء شهدت بينة المدعى عليه أنها له ، أو قالت : ولدت في ملكه عليه ) وجملة ذلك أن من ادعى شيئا في يد غيره ، فأنكره ، ولكل واحد منهما بينة ، فإن بينة المدعي تسمى بينة الخارج ، وبينة المدعى عليه تسمى بينة الداخل ، وقد اختلفت الرواية عن أحمد ، فيما إذا تعارضتا ، فالمشهور عنه تقديم بينة المدعي ، ولا تسمع بينة المدعى عليه بحال . وهذا قول إسحاق .

                                                                                                                                            وعنه ، رواية ثانية ، إن شهدت بينة الداخل بسبب الملك ، وقالت : نتجت في ملكه ، أو اشتراها ، أو نسجها . أو كانت بينته أقدم تاريخا ، قدمت ، وإلا قدمت بينة المدعي . وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور ، في النتاج والنساج ، فيما لا يتكرر نسجه ، فأما ما يتكرر نسجه ، كالصوف والخز ، فلا تسمع بينته ; لأنها إذا شهدت بالسبب ، فقد أفادت ما لا تفيده اليد ، وقد روى جابر بن عبد الله ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم اختصم إليه رجلان في دابة أو بعير ، فأقام كل واحد منهما البينة بأنها له ، أنتجها ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده . } وذكر أبو الخطاب ، رواية ثالثة ، أن بينة المدعى عليه تقدم بكل حال . وهو قول شريح ، والشعبي ، والنخعي والحكم والشافعي ، وأبي عبيد . وقال : هو قول أهل المدينة ، وأهل الشام .

                                                                                                                                            وروي عن طاوس وأنكر القاضي كون هذا رواية عن أحمد ، وقال : لا تقبل بينة الداخل إذا [ ص: 244 ] لم تفد إلا ما أفادته يده ، رواية واحدة . واحتج من ذهب إلى هذا القول بأن جنبة المدعى عليه أقوى ; لأن الأصل معه ، ويمينه تقدم على يمين المدعي ، فإذا تعارضت البينتان ، وجب إبقاء يده على ما فيها ، وتقديمه ، كما لو لم تكن بينة لواحد منهما . وحديث جابر يدل على هذا ، فإنه إنما قدمت بينته ليده .

                                                                                                                                            ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { البينة على المدعي ، واليمين على المدعى عليه } . فجعل جنس البينة في جنبة المدعي ، فلا يبقى في جنبة المدعى عليه بينة ، ولأن بينة المدعي أكثر فائدة ، فوجب تقديمها ، كتقديم بينة الجرح على التعديل . ودليل كثرة فائدتها ، أنها تثبت شيئا لم يكن ، وبينة المنكر إنما تثبت ظاهرا تدل اليد عليه ، فلم تكن مفيدة ، ولأن الشهادة بالملك يجوز أن يكون مستندها رؤية اليد والتصرف ، فإن ذلك جائز عند كثير من أهل العلم ، فصارت البينة بمنزلة اليد المفردة ، فتقدم عليها بينة المدعي ، كما تقدم على اليد ، كما أن شاهدي الفرع لما كانا مبنيين على شاهدي الأصل ، لم تكن لهما مزية عليهما . ( 8501 ) فصل : وأي البينتين قدمناها ، لم يحلف صاحبها معها .

                                                                                                                                            وقال الشافعي ، في أحد قوليه : يستحلف صاحب اليد ; لأن البينتين سقطتا بتعارضهما ، فصارا كمن لا بينة لهما ، فيحلف الداخل كما لو لم تكن لواحد منهما بينة . ولنا ، أن إحدى البينتين راجحة ، فيجب الحكم بها منفردة ، كما لو تعارض خبران ، خاص وعام ، أو أحدهما أرجح بوجه من الوجوه ، ولا نسلم أن البينة الراجحة تسقط ، وإنما ترجح ، ويعمل بها ، وتسقط المرجوحة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية