الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8546 ) مسألة ; قال : وإن أقام المسلم بينة أنه مات مسلما ، وأقام الكافر بينة أنه مات كافرا ، أسقطت البينتان ، وكانا كمن لا بينة لهما ، وإن قال شاهدان : نعرفه كان كافرا . وقال شاهدان : نعرفه كان مسلما ، فالميراث للمسلم ; لأن الإسلام يطرأ على الكفر إذا لم يؤرخ الشهود معرفتهم وجملة ذلك أنه إذا خلف الميت ولدين مسلما وكافرا ، فادعى المسلم أنه مات مسلما ، وأقام بذلك بينة ، وأقام الكافر بينة من المسلمين أنه مات كافرا ، ولم يعرف أصل دينه فهما متعارضتان وإن عرف أصل دينه نظرنا في لفظ الشهادة ; فإن شهدت كل واحدة منهما أنه كان آخر كلامه التلفظ بما شهدت به ، فهما متعارضتان ، وإن شهدت إحداهما أنه مات على دين الإسلام ، وشهدت الأخرى أنه مات على دين الكفر قدمت بينة من يدعي انتقاله عن دينه ; لأن المبقية له على أصل دينه ، ثبتت شهادتها على الأصل الذي تعرفه ; لأنهما إذا عرفا أصل دينه ولم يعرفا انتقاله عنه ، جاز لهما أن يشهدا أنه مات على دينه الذي عرفاه ، والبينة الأخرى معها علم لم تعلمه الأولى ، فقدمت عليها ، كما لو شهد بأن هذا العبد كان ملكا لفلان إلى أن مات ، وشهد آخران أنه أعتقه أو باعه قبل موته ، قدمت بينة العتق والبيع .

                                                                                                                                            فأما إن قال شاهدان : نعرفه قبل موته قد كان مسلما . وقال شاهدان : نعرفه كان كافرا . نظرنا في تاريخهما ; فإن كانتا مؤرختين بتاريخين مختلفين عمل بالآخرة منهما ، لأنه ثبت أنه انتقل عما شهدت به الأولى ، إلى ما شهدت به الآخرة وإن كانتا مطلقتين ، أو إحداهما مطلقة قدمت بينة المسلم ; لأن المسلم لا يقر على الكفر في دار الإسلام ، وقد يسلم الكافر ، فيقر . وإن كانتا مؤرختين بتاريخ واحد ، نظرت في شهادتهما ، فإن كانت على اللفظ ، فهما متعارضتان . وإن لم تكن على اللفظ ، ولم يعرف أصل دينه ، فهما متعارضتان .

                                                                                                                                            وإن عرف أصل دينه ، قدمت الناقلة له عن أصل دينه . وكل موضع تعارضت البينتان ، فقال الخرقي تسقط البينتان ، ويكونان كمن لا بينة لهما . وقد ذكرنا روايتين أخريين ; إحداهما ، يقرع بينهما ، فمن خرجت له القرعة ، حلف وأخذ . الثانية تقسم بينهما . ونحو هذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : تقدم بينة الإسلام على كل حال وقد مضى الكلام معه . وقول الخرقي ، فيما إذا قال شاهدان : نعرفه كان [ ص: 268 ] مسلما وقال شاهدان : نعرفه كان كافرا . محمول على من لم يعرف أصل دينه ، أو علم أن أصل ، دينه الكفر ، أما من كان مسلما في الأصل فينبغي أن تقدم بينة الكفر ; لأن بينة الإسلام يجوز أن تستند إلى ما كان عليه في الأصل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية