الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8557 ) مسألة ; قال : وإذا كان الزوجان في البيت ، فافترقا ، أو ماتا ، فادعى كل واحد منهما ما في البيت أنه له ، أو ورثه ، حكم بما كان يصلح للرجال للرجل ، وما كان يصلح للنساء للمرأة ، وما كان يصلح أن يكون لهما ، فهو بينهما نصفين وجملة ذلك أن الزوجين إذا اختلفا في متاع البيت ، أو في بعضه ، فقال كل واحد منهما : جميعه لي . أو قال كل واحد منهما : هذه العين لي ، وكانت لأحدهما بينة ، ثبت له ، بلا خلاف ، وإن لم يكن لواحد منهما بينة فالمنصوص عن أحمد ، أن ما يصلح للرجال ; من العمائم ، وقمصانهم ، وجبابهم ، والأقبية ، والطيالسة ، والسلاح ، وأشباه ذلك ، القول فيه قول الرجل مع يمينه ، وما يصلح للنساء ; كحليهن ، وقمصهن ، ومقانعهن ، ومغازلهن فالقول قول المرأة مع يمينها . وما يصلح لهما ; كالمفارش ، والأواني ، فهو بينهما ، وسواء كان في أيديهما من طريق المشاهدة ، أو من طريق الحكم ، وسواء اختلفا في حال الزوجية ، أو بعد البينونة ، وسواء اختلفا ، أو اختلف ورثتهما ، أو أحدهما وورثة الآخر .

                                                                                                                                            قال أحمد في رواية الجماعة ; منهم يعقوب بن بختان ، في الرجل يطلق زوجته ، أو يموت ، فتدعي المرأة المتاع : فما كان يصلح للرجال ، فهو للرجل ، وما كان من متاع النساء ، فهو للنساء ، وما استقام أن يكون بين الرجال والنساء فهو بينهما . وإن كان المتاع على يدي غيرهما ، فمن أقام البينة ، دفع إليه ، وإن لم تكن لهما بينة ، أقرع بينهما ، فمن كانت له القرعة ، حلف وأعطي المتاع . وقال ، في رواية مهنا : وكذلك إن اختلفا ، وأحدهما مملوك . وبهذا قال الثوري ، وابن أبي ليلى ، وقال القاضي : هذا إنما هو فيما إذا كانت أيديهما عليه من طريق الحكم ، أما ما كان في يد أحدهما من طريق المشاهدة ، فهو له مع يمينه .

                                                                                                                                            وإن كان في أيديهما ، قسم بينهما نصفين سواء كان يصلح لهما ، أو لأحدهما . وهذا قول أبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، إلا أنهما قالا : ما يصلح لهما ويدهما عليه من طريق الحكم ، فالقول فيه [ ص: 273 ] قول الرجل مع يمينه . وإذا اختلف أحدهما وورثه الآخر ، فالقول قول النافي منهما لأن اليد المشاهدة أقوى من اليد الحكمية ، بدليل أنه لو تنازع الخياط وصاحب الدار في الإبرة والمقص ، كانت للخياط . وقال أبو يوسف : القول قول المرأة ، فيما جرت العادة أنه قدر جهاز مثلها . وقال مالك ما صلح لكل واحد منهما ، فهو له ، وما صلح لهما ، كان للرجل ، سواء كان في أيديهما من طريق المشاهدة ، أو من طريق الحكم ; لأن البيت للرجل ، ويده أقوى ; لأن عليه السكنى وقال الشافعي ، وزفر ، والبتي كل ما في البيت بينهما نصفين ، فيحلف كل واحد منهما على نصفه ويأخذه .

                                                                                                                                            وروي نحو ذلك عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ; لأنهما تساويا في ثبوت يدهما على المدعى ، وعدم البينة ، فلم يقدم أحدهما على صاحبه ، كالذي يصلح لهما ، أو كما لو كان في يدهما من حيث المشاهدة عند من سلم ذلك . ولنا ، أن أيديهما جميعا على متاع البيت ، بدليل ما لو نازعهما فيه أجنبي ، كان القول قولهما ، وقد يرجع أحدهما على صاحبه يدا وتصرفا فيجب أن يقدم ، كما لو تنازعا دابة ، أحدهما راكبها ، والآخر آخذ بزمامها ، أو قميصا أحدهما لابسه ، والآخر آخذ بكمه ، أو جدارا متصلا بداريهما ، معقودا ببناء أحدهما ، أو له عليه أزج .

                                                                                                                                            ولنا ، على أبي حنيفة والقاضي ، أنهما تنازعا فيما في أيديهما ولا مزية لأحدهما على صاحبه ، أشبه إذا كان في اليد الحكمية . فأما ما كان يصلح لهما ، فإنه في أيديهما ، ولا مزية لأحدهما على صاحبه ، أشبه إذا كان في أيديهما من جهة المشاهدة ، والدلالة على أنه ليس للنافي ، أن وارث الميت قائم مقامه ، أشبه ما لو وكل أحدهما لنفسه وكيلا . فأما إذا لم يكن لهما يد حكيمة ، بل تنازع رجل وامرأة في عين غير قماش بينهما ، فلا يرجع أحدهما بصلاحية ذلك له ، بل إن كانت في أيديهما فهي بينهما ، وإن كانت في يد أحدهما ، فهي له ، وإن كانت في يد غيرهما ، اقترعا عليها ، فمن خرجت له القرعة فهي له ، واليمين على من حكمنا بها له في كل المواضع ، لأنه ليس لهما يد حكمية ، فأشبها سائر المختلفين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية