الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              205- يزيد بن أبان الرقاشي

              ومنهم الصالح الباكي ، والصائم الظامي ، يزيد بن أبان الرقاشي .

              وقيل : إن التصوف تحمل للتخفف ، وتذيل للتشرف .

              حدثنا محمد بن علي ، قال : ثنا الحسين بن حماد الحراني ، قال : ثنا سليمان بن سيف ، قال : ثنا سعيد بن عامر ، قال : عطش يزيد الرقاشي نفسه أربعين سنة في حر البصرة ثم قال لأصحابه : تعالوا حتى نبكي على الماء البارد .

              حدثنا أبي ، قال : ثنا أحمد بن محمد بن أبان ، قال : ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، قال : ثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا سورة بن قدامة ، قال : ثنا حيان بن الأسود ، عن عبد الخالق بن موسى اللقيطي ، قال : جوع يزيد نفسه لله عز وجل ستين عاما ; حتى ذبل جسمه ، ونهك بدنه ، وتغير لونه . وكان يقول : غلبني بطني فما أقدر له على حيلة .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عمر ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا أبو بكر بن عبيد ، قال : ثنا علي بن حرب ، قال : ثنا أبو داود الحفري ، عن محمد بن السماك ، عن أشعث بن سوار ، قال : دخلت على يزيد الرقاشي في يوم شديد الحر ، فقال : يا أشعث ، تعال حتى نبكي على الماء البارد في يوم الظمأ ، ثم قال : والهفاه سبقني العابدون وقطع بي ، وكان قد صام اثنتين وأربعين سنة .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن عمر ، قال : حدثني أبي ، قال : ثنا أبو بكر بن عبيد ، قال : ثنا [ ص: 51 ] محمد بن الحسين ، قال : ثنا إسحاق بن منصور ، قال : ثنا أبو إسحاق الخميسي ، قال : سمعت يزيد الرقاشي يقول : إن المتجوعين لله تعالى في الرعيل الأول يوم القيامة .

              حدثنا محمد بن أحمد ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أبو بكر بن عبيد ، قال : ثنا محمد بن الحسين ، قال : ثنا بكر بن محمد ، قال : ثنا أبو المطهر السعدي ، عن يزيد الرقاشي ، قال : للأبرار همم تبلغهم أعمال البر ، وكفاك بهمة دعتك إلى خير خيرا .

              حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ، قال : ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ، قال : ثنا سريج بن يونس ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن أبي إسحاق الخميسي ، قال : كان يزيد يقول في قصصه : ويحك يا يزيد من يترضى عنك ربك ؟ ومن يصوم لك أو يصلي لك ؟ ثم يقول : يا معشر - إخواني - من القبر بيته والموت موعده ألا تبكون ؟ فبكى حتى سقطت أشفار عينيه .

              حدثنا عبد الله بن محمد إملاء ، قال : ثنا أحمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : ثنا أحمد بن نصر بن مالك أبو عبد الله المروزي ، قال : ثنا سلمة أبو صالح ، قال : حدثني كنانة بن جبلة الهروي ، قال : قال يزيد الرقاشي : خذوا الكلمة الطيبة ممن قالها وإن لم يعمل بها ، فإن الله تعالى يقول : ( يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) ألا تحمد من تعطيه فانيا فيعطيك باقيا ، درهم يفنى بعشرة تبقى إلى سبعمائة ضعف ، أما لله عندك مكافأة مطعمك ومسقيك وكافيك ، حفظك في ليلك وأجابك في ضرائك ، كأنك نسيت وجع الأذن ، أو ليلة وجع العين ، أو خوفا في بر ، أو خوفا في بحر ، دعوته فاستجاب لك ، إنما أنت لص من لصوص الذنوب ، كلما عرض لك عارض عانقته ، إن سرك أن تنظر إلى الدنيا بما فيها من ذهبها وفضتها وزخارفها ; فهلم أخبرك ، تشيع جنازة ، فهي الدنيا بما فيها من ذهبها وفضتها وزخارفها ، ثم احتمل القبر بما فيه ، أما إني لست آمرك أن تحمل تربته ، ولكن آمرك أن تحمل فكرته .

              حدثنا محمد بن أحمد ، قال : ثنا الحسن بن محمد ، قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا عبد الله بن محمد الجعفي ، قال : حدثني أبو غسان الليثي ، قال : ثنا مسلم أبو عبد الله ، عن يزيد الرقاشي ، قال : إنما سمي نوح عليه السلام نوحا لطول ما ناح على نفسه .

              [ ص: 52 ] أسند يزيد عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه الكثير ، وروى عن الحسن ، وعن غنيم بن قيس ، وغيره . وروى عنه من الأئمة والأعلام الأعمش ، والأوزاعي ، وحجاج بن أرطاة ، وزيد العمي ، ومحمد بن المنكدر ، وصفوان بن سليم ، وعطاء بن السائب ، والحمادان وغيرهم .

              حدثنا الحسن بن حمويه الخثعمي في جماعة ، قالوا : حدثنا عبيد بن غنام ، قال : ثنا إسماعيل بن بهرام ، قال : ثنا الحسن بن محمد بن عثمان ، عن سفيان الثوري ، عن الأعمش ، عن يزيد ، عن أنس رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعظم الناس هما ; المؤمن الذي يهتم بأمر دنياه وآخرته " . غريب من حديث الأعمش عن يزيد ، تفرد به عنه الثوري ، ورواه عن الثوري الأشجعي أيضا .

              حدثنا محمد بن معمر ، قال : ثنا أبو الأشعث الحراني ، قال : ثنا يحيى بن عبد الله ، قال : ثنا الأوزاعي ، قال : حدثني يزيد ، عن أنس رضي الله تعالى عنه ، قال : ذكر رجل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا قوته في الجهاد واجتهاده في العبادة فإذا هو قد أشرف عليهم . فقالوا : هذا الذي كنا نذكره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأرى في وجهه سفعة من الشيطان . ثم أقبل فسلم عليهم . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حدثت نفسك حين أشرفت علينا أنه ليس في القوم أحد خيرا منك . قال : نعم ، ثم مضى فاختط مسجدا وصف بين قدميه : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يقوم إليه فيقتله ؟ ، قال أبو بكر : أنا ، فانطلق إليه فوجده قائما يصلي فهاب أن يقتله فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما صنعت ؟ ، قال : وجدته يا رسول الله قائما يصلي فهبت أن أقتله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيكم يقوم إليه فيقتله ؟ " ، فقال علي : أنا ، قال : أنت له إن أدركته ، فانطلق فوجده قد انصرف فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ما صنعت ؟ قال : وجدته يا رسول الله قد انصرف ، [ ص: 53 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هذا أول من يخرج من أمتي ، لو قتلته ما اختلف اثنان بعده من أمتي " ، ثم قال : "إن بني إسرائيل تفرقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " ، قال يزيد : وهي الجماعة . رواه عكرمة بن عمار وغيره ، عن يزيد نحوه .

              حدثنا حبيب بن الحسن وفاروق الخطابي ، قالا : ثنا أبو مسلم الكشي ، قال : ثنا أبو عاصم النبيل ، قال : ثنا سفيان الثوري ، عن الحجاج - يعني ابن فرافصة - عن يزيد ، عن أنس رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاد الفقر أن يكون كفرا ، وكاد الحسد أن يغلب القدر " .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا محمد بن عبد الله بن عرس المصري ، قال : ثنا ميمون بن كليب ، قال : ثنا إبراهيم بن مهاجر بن مسمار ، قال : ثنا صفوان بن سليم ، عن يزيد بن أبان ، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من إنسان إلا له بابان في السماء يصعد عمله فيه ، وينزل رزقه . فإذا مات العبد المؤمن بكيا عليه " . رواه موسى بن عبيدة الربذي ، عن يزيد الرقاشي مثله .

              حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم ، قال : ثنا إبراهيم بن زهير الحلواني ، قال : ثنا مكي بن إبراهيم ، قال : ثنا موسى بن عبيدة الربذي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بعث الله ثمانية آلاف نبي ، أربعة آلاف إلى بني إسرائيل وأربعة آلاف إلى سائر الناس " . ورواه صفوان بن سليم ، عن يزيد نحوه .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، قال : ثنا أحمد بن علي الأبار ، قال : ثنا محمد بن حرب ، قال : ثنا عبيدة ، عن عطاء بن السائب ، عن الرقاشي ، عن أنس رضي الله تعالى عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تراصوا الصفوف فإن الشيطان يقوم في الخلل " . كذا حدث به الأبار ، عن عطاء ، عن الرقاشي ، ورواه أبو الأحوص ، عن عطاء ، عن أنس نفسه من دون الرقاشي .

              [ ص: 54 ] حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا حبوش بن رزق الله المصري ، ثنا سليمان بن خلف البصري قال :ثنا أبو يونس الخصاف ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خدم مؤمنا أو خف له في شيء من حوائجه ، كان حقا على الله أن يخدمه وصيفا في الجنة " . غريب من حديث يزيد لم نكتبه إلا من هذا الوجه .

              حدثنا سليمان بن أحمد ، قال : ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، قال : ثنا أبو بلال الأشعري ، قال : ثنا مجاشع ، عن عمرو ، عن خالد العبدي ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من لقم أخاه لقمة حلو صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة " . غريب من حديث يزيد تفرد به عنه خالد .

              حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أبي العزائم ، قال : ثنا أحمد بن موسى الكوفي الحمار ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا المسعودي وأبو العميس ، قالا : سمعت يزيد الرقاشي يحدث عن أنس بن مالك رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا نودي للصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء " .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن معبد ، قال : ثنا يحيى بن مطرف ، قال : ثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : ثنا الربيع بن صبح ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ، قال : حج النبي صلى الله عليه وسلم على رحل وقطيفة ثمنه أربعة دراهم ، فلما توجه قال : " اللهم حجة لا سمعة فيها ولا رياء " .

              حدثنا أبو أحمد الحسين بن علي التميمي النيسابوري ، قال : ثنا علي بن المبارك المسروري ، قال : ثنا السري بن عاصم ، قال : ثنا محمد بن صبح السماك ، قال : ثنا الهيثم بن حماد ، قال : دخلت على يزيد الرقاشي وهو يبكي وقد عطش نفسه أربعين سنة ، فقال : يا هيثم ادخل تعال نبك على الماء البارد في اليوم الحار ، ثم قال :حدثني أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل من ورد القيامة عطشان إلا من أظله الله في ظل عرشه ذلك اليوم " .

              [ ص: 55 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية