الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          753 مسألة : ولا ينقض الصوم حجامة ولا احتلام ، ولا استمناء ، ولا مباشرة الرجل امرأته أو أمته المباحة له فيما دون الفرج ، تعمد الإمناء أم لم يمن ، أمذى أم لم يمذ ولا قبلة كذلك فيهما ، ولا قيء غالب ، ولا قلس خارج من الحلق ، ما لم يتعمد رده بعد حصوله في فمه وقدرته على رميه ، ولا دم خارج من الأسنان أو الجوف ما لم يتعمد بلعه ، ولا حقنة ولا سعوط ولا تقطير في أذن ، أو في إحليل ، أو في أنف ولا استنشاق وإن بلغ الحلق ، ولا مضمضة دخلت الحلق من غير تعمد ، ولا كحل - أو إن بلغ إلى الحلق نهارا أو ليلا - بعقاقير أو بغيرها ، ولا غبار طحن ، أو غربلة دقيق ، أو حناء ، أو غير ذلك ، أو عطر ، أو حنظل ، أو أي شيء كان ، ولا ذباب دخل الحلق بغلبة ، ولا من رفع رأسه فوقع في حلقه نقطة ماء بغير تعمد لذلك منه ; ولا مضغ زفت أو مصطكى أو علك ; ولا من تعمد أن يصبح جنبا ، ما لم يترك الصلاة ، ولا من تسحر أو وطئ وهو يظن أنه ليل فإذا بالفجر كان قد طلع ولا من أفطر بأكل أو وطء ، ويظن أن الشمس قد غربت فإذا بها لم تغرب ، ولا من أكل أو شرب أو وطئ ناسيا ; لأنه صائم ، وكذلك من عصى ناسيا [ ص: 336 ] لصومه ، ولا سواك برطب أو يابس ، ولا مضغ طعام أو ذوقه ، ما لم يتعمد بلعه ، ولا مداواة جائفة أو مأمومة بما يؤكل أو يشرب أو بغير ذلك ، ولا طعام وجد بين الأسنان - : أي وقت من النهار وجد ، إذا رمي ، ولا من أكره على ما ينقض الصوم ، ولا دخول حمام ، ولا تغطيس في ماء ، ولا دهن شارب ؟ أما الحجامة - قال أبو محمد : صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ثوبان ، وشداد بن أوس : ومعقل بن سنان ، وأبي هريرة ، ورافع بن خديج وغيرهم : أنه قال : { أفطر الحاجم والمحجوم } ، فوجب الأخذ به ، إلا أن يصح نسخه .

                                                                                                                                                                                          وقد ظن قوم أن الرواية عن ابن عباس " احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخة للخبر المذكور ، وظنهم في ذلك باطل ; لأنه قد يحتجم عليه السلام وهو مسافر فيفطر ، وذلك مباح ، أو في صيام تطوع فيفطر ، وذلك مباح .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله ممن يقول في الخبر الثابت أنه عليه السلام " مسح على العمامة " - : لعله كان مريضا ثم لا يقول هاهنا : لعله كان مريضا ؟ وأيضا فليس في خبر ابن عباس أن ذلك كان بعد إخباره عليه السلام أنه { أفطر الحاجم والمحجوم } ولا يترك حكم متيقن لظن كاذب ؟ وأيضا : فلو صح أن خبر ابن عباس بعد خبر من ذكرنا لما كان فيه إلا نسخ إفطار المحجوم لا الحاجم ; لأنه قد يحجمه عليه السلام غلام لم يحتلم ؟ قال أبو محمد : لكن وجدنا ما حدثناه عبد الله بن ربيع التميمي وأحمد بن عمر العذري [ ص: 337 ] قال التميمي : ثنا معاوية القرشي المرواني ثنا أحمد بن شعيب أنا إبراهيم بن سعيد ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء ، وقال العذري ثنا عبد الله بن الحسين بن عقال الأسدي القرشي ثنا إبراهيم بن محمد الدينوري ثنا محمد بن أحمد بن الجهم ثنا موسى بن هارون ثنا إسحاق بن راهويه أنا المعتمر بن سليمان عن حميد ، ثم اتفق خالد الحذاء وحميد كلاهما عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص في الحجامة للصائم } زاد حميد في روايته " والقبلة " .

                                                                                                                                                                                          قال علي : إن أبا نضرة ، وقتادة أوقفاه عن أبي المتوكل على أبي سعيد ، وإن ابن المبارك أوقفه عن خالد الحذاء عن أبي المتوكل على أبي سعيد ; ولكن هذا لا معنى له إذ أسنده الثقة ، والمسندان له عن خالد وحميد : ثقتان ; فقامت به الحجة ، ولفظة " أرخص " لا تكون إلا بعد نهي ; فصح بهذا الخبر نسخ الخبر الأول ؟ وممن قال بأن الحجامة تفطر : علي بن أبي طالب ، وأبو موسى الأشعري ، وعبد الله بن عمر ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          ولم يرها تفطر : ابن عباس ، وزيد بن أرقم ، وغيرهما . وعهدنا بالحنفيين يقولون : إن خبر الواحد لا يقبل فيما تعظم به البلوى ، وهذا مما تكثر به البلوى ، وقد قبلوا فيه خبر الواحد مضطربا ؟ وأما الاحتلام : فلا خلاف في أنه لا ينقض الصوم ; إلا ممن لا يعتد به وأما الاستمناء : فإنه لم يأت نص بأنه ينقض الصوم ؟ والعجب كله ممن لا ينقض الصوم بفعل قوم لوط ، وإتيان البهائم وقتل الأنفس ، والسعي في الأرض بالفساد ، وترك الصلاة وتقبيل نساء المسلمين عمدا إذا لم يمن ولا أمذى - : ثم ينقضه بمس الذكر إذا كان معه إمناء وهم لا يختلفون : أن مس الذكر لا [ ص: 338 ] يبطل الصوم ، وأن خروج المني دون عمل لا ينقض الصوم ، ثم ينقض الصوم باجتماعهما ، وهذا خطأ ظاهر لا خفاء به ؟ والعجب كله ممن ينقض الصوم بالإنزال للمني إذا تعمد اللذة ، ولم يأت بذلك نص ، ولا إجماع ، ولا قول صاحب ، ولا قياس - : ثم لا يوجب به الغسل إذا خرج بغير لذة ، والنص جاء بإيجاب الغسل منه جملة ؟ .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية