الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال في كتابه هذا الكبير : "الفصل الرابع في أن الجواهر متجانسة غير متحدة : اتفقت الأشاعرة وأكثر المعتزلة على أن الجواهر متماثلة متجانسة ، وذهب النظام والنجار من المعتزلة بناء على قولهما [ ص: 177 ] بتركب الجواهر من الأعراض إلى أن الجواهر إن تركبت من الأعراض المختلفة فهي مختلفة، ولهذا فإنا ندرك الاختلاف بين بعض الجواهر كالاختلاف الواقع بين النار والهواء والماء والتراب ضرورة ، كما يدرك الاختلاف بين السواد والبياض ، والحرارة والبرودة ، والرطوبة واليبوسة، وسائر الأعراض المختلفة" .

قال : "وهو باطل. إما كون الجواهر مركبة من الأعراض فيما سبق. وإما ما ندركه من الاختلاف بين الجواهر، كالأمثلة المضروبة، فلا نسلم أنه عائد إلى اختلاف الجواهر في أنفسها ، بل هو عائد إلى الأعراض القائمة ، واختلاف الأعراض لا يدل على اختلاف المعروض له في نفسه" .

قلت : النجار ليس هو من المعتزلة ، بل هو رأس مقالة ، وهو يخالف المعتزلة في القدر فيثبته ، وفي غير ذلك من أصول المعتزلة، لكنه [ ص: 178 ] يوافقهم على نفي الصفات، ويخالفهم أيضا في تماثل الأسماء والأحكام والوعيد .

وجمهور الناس على أن الأجسام مختلفة: من الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم. وقد ذكر الأشعري في "مقالاته" النزاع في ذلك .

والمقصود هنا اعترافه بأنه لا حجة للقائلين بالتماثل ، فإنه قال : "فإن قيل ما ذكرتموه ، وإن دل على إبطال مأخذ القائلين بالاختلاف، فما دليلكم في التماثل والتجانس؟ فلئن قلتم : دليل التماثل اشتراك جميع الجواهر في صفات نفس الجوهر ، وهي التحيز وقبول الأعراض والقيام بنفسه ، فنقول : وما المانع من كون الجواهر مختلفة بذواتها ، وإن اشتركت فيما ذكرتموه من الصفات؟ فإنه لا مانع من اشتراك المختلفات في عوارض عامة لها ، وإنما يثبت كون ما ذكرتموه صفات نفس الجوهر أن لو لم يكن الجواهر مختلفة ، وهذه أعراض عامة لها ، وإنما يمتنع كون الجواهر مختلفة ، وأن هذه أعراض [ ص: 179 ] عامة لها، أن لو كانت هذه الصفات صفات نفس الجوهر ، وهو دور ممتنع" .

قال: "واعلم أن طرق أهل الحق في إثبات المجانسة ، وإن اختلفت عباراتها، فكلها آيلة إلى ما ذكر، وما قيل عليه من الإشكال فلازم لا مخلص منه إلا بأن يقال : نحن لا نعني بتجانس الجواهر غير كونها مشتركة فيما ذكرناه من الصفات ، وعند ذلك فحاصل النزاع يرجع إلى التسمية، لا إلى نفس المعنى" .

التالي السابق


الخدمات العلمية