الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب في رجم اليهوديين

                                                                      4446 حدثنا عبد الله بن مسلمة قال قرأت على مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أنه قال إن اليهود جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الزنا فقالوا نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فجعل أحدهم يده على آية الرجم ثم جعل يقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يديك فرفعها فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال عبد الله بن عمر فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة [ ص: 102 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 102 ] ( إن اليهود ) : أي طائفة منهم وهم من أهل خيبر ( جاءوا ) . في السنة الرابعة في ذي القعدة قاله القسطلاني ( أن رجلا ) : لم يسم وفتحت أن لسدها مسد المفعول ( منهم ) : أي اليهود ( وامرأة ) : أي منهم ، وفي الرواية الآتية من طريق ابن إسحاق عن الزهري زنى رجل وامرأة من اليهود .

                                                                      وقال في الفتح إن اسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون المهملة ولم يسم الرجل ( زنيا ) : أي وكانا محصنين ( ما تجدون في التوراة في شأن الزنا؟ ) : استفهام أي أي شيء تجدونه مذكورا . قال الباجي : يحتمل أن يكون علم بالوحي أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل ، ويحتمل أن يكون علم ذلك بإخبار عبد الله بن سلام وغيره ممن أسلم منهم على وجه حصل له به العلم بصحة نقلهم ( قالوا نفضحهم ) : بفتح أوله وثالثه من الفضيحة ووقع تفسير الفضيحة في رواية أبي هريرة الآتية يحمم ويجبه ويأتي هناك تفسير التجبيه .

                                                                      وقال الحافظ : في رواية أيوب عن نافع في التوحيد أي من البخاري قالوا نسخم وجوههما ونخزيهما . وفي رواية عبد الله بن عمر قالوا نسود وجوههما ونحممهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما ( ويجلدون ) : بصيغة المجهول . قال الطيبي أي لا نجد في التوراة حكم الرجم بل نجد أن نفضحهم ويجلدون وإنما أتى أحد الفعلين مجهولا والآخر معروفا ليشعر أن الفضيحة موكولة إليهم وإلى اجتهادهم إن شاءوا سخموا وجه الزاني بالفحم أو عزروه ، والجلد لم يكن كذلك ، كذا في المرقاة ( فقال عبد الله بن سلام ) : بتخفيف اللام وكان من علماء يهود وكان قد أسلم ( إن فيها ) : أي في التوراة ( فأتوا بالتوراة ) : بصيغة [ ص: 103 ] الماضي أي قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فأتوا بالتوراة ( فنشروها ) : أي فتحوها وبسطوها ( فجعل ) : أي وضع ( أحدهم ) : هو عبد الله بن صوريا ( يقرأ ما قبلها ) : أي ما قبل آية الرجم ( فقالوا ) : أي اليهود ( صدق ) : أي عبد الله بن سلام ( فأمر بهما ) : أي برجمهما ( فرأيت الرجل يحني ) : بفتح التحتية وسكون الحاء المهملة وكسر النون بعدها تحتية أي يعطف عليها والرؤية بصرية فيكون يحني في موضع الحال ( يقيها الحجارة ) : قال القسطلاني : يحتمل أن تكون الجملة بدلا من يحني أو حالا أخرى وأل في الحجارة للعهد أي حجارة الرمي انتهى .

                                                                      وقال الحافظ : تفسير لقوله يحني ، ولابن ماجه من هذا الوجه يسترها ، وفي بعض النسخ يجنأ بجيم بدل الحاء المهملة وفتح النون بعدها همزة وكذلك في بعض نسخ البخاري . قال ابن دقيق العيد إنه الراجح في الرواية أي أكب عليها .

                                                                      والحديث دليل على أن الإسلام ليس شرطا في الإحصان وإلا لم يرجم اليهوديين ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد . وقال المالكية ومعظم الحنفية شرط الإحصان الإسلام وأجابوا عن هذا الحديث بأنه صلى الله عليه وسلم إنما رجمهما بحكم التوراة وليس هو من حكم الإسلام في شيء ، وإنما هو من باب تنفيذ الحكم عليهم بما في كتابهم ، فإن في التوراة الرجم على المحصن وغير المحصن وأجيب بأنه كيف يحكم عليهم بما لم يكن في شرعه مع قوله تعالى وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، وفي قولهم وإن في التوراة الرجم على من لم يحصن نظر ، لما وقع بيان ما في التوراة من آية الرجم في رواية أبي هريرة ولفظه " المحصن والمحصنة إذا زنيا فقامت عليهما البينة رجما وإن كانت المرأة حبلى تربص بها حتى تضع ما في بطنها " . رواه الطبراني وغيره كذا في إرشاد الساري والفتح .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .




                                                                      الخدمات العلمية