الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 8806 ) مسألة ; قال : وإذا اشترى المكاتب أباه ، أو ذا رحمه من المحرم عليه نكاحه ، لم يعتقوا حتى يؤدي وهم في ملكه ، فإن عجز ، فهم عبيد لسيده الكلام في هذه المسألة في فصلين : ( 8807 ) الفصل الأول ، أنه يصح أن يشتري من ذوي أرحامه من يعتق عليه ، بغير إذن . سيده . وهذا قول الثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وقال الشافعي : لا يصح ; لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله ، لأنه يخرج من ماله ما يجوز له التصرف فيه ، في مقابلة ما لا يجوز له التصرف فيه ، فأشبه الهبة . فإن أذن له سيده فيه ، فمنهم من قال : يجوز . قولا واحدا . وهو قول مالك ; لأن المنع لحق سيده ، فجاز بإذنه . ومنهم من قال : فيه قولان .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه اشترى مملوكا لا ضرر في شرائه ، فصح ، كالأجنبي ، وبيانه أنه يأخذ كسبهم ، وإن عجز صاروا رقيقا لسيده ، ولأنه يصح أن يشتريه غيره ، فصح شراؤه له ، كالأجنبي ، ويفارق الهبة ; لأنها تفوت المال بغير عوض ، ولا نفع يرجع إلى المكاتب ولا السيد ، ولأنه تحقق السبب ، وهو صدور التصرف من أهله في محله ، ولم يتحقق المانع ; لأن ما ذكروه لا نص فيه ، ولا أصل له يقاس عليه . ( 8808 ) الفصل الثاني : أنهم لا يعتقون بمجرد ملكه لهم لأنه لو باشرهم بالعتق ، أو أعتق غيرهم ، لم يقع العتق فلا يقع بالشراء الذي أقيم مقامه . ولا يجوز له بيعهم ، ولا هبتهم ، ولا إخراجهم عن ملكه . وقال أصحاب الرأي : له بيع من عدا المولودين والوالدين لأنهم ليست قرابتهم قرابة حرية ولا تعصيبية فأشبهوا الأجانب .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه ذو رحم يعتق عليه إذا عتق ، فلا يجوز بيعه ، كالوالدين ، والمولودين ، ولأنه لا يملك بيعهم إذا كان حرا ، فلا يملكه مكاتبا كوالديه ، ولأنهم نزلوا منزلة أجزائه ، فلم يملك بيعهم ، كيده . فإذا أدى وهم في ملكه ، عتقوا ; لأنه كمل ملكه فيهم ، وزال تعلق حق سيده عنهم ، فعتقوا حينئذ ، وولاؤهم له دون سيدهم ; لأنهم عتقوا عليه بعد زوال ملك سيده عنه ، فيكونون بمنزلة ما لو اشتراهم بعد عتقه . وإن عجز ورد في الرق ، صاروا عبيدا [ ص: 392 ] للسيد ; لأنهم من ماله ، فيصيرون للسيد بعجزه ، كعبيده الأجانب . ( 8809 ) فصل : وكسبهم ; للمكاتب ; لأنهم مماليكه . ونفقتهم عليه ، بحكم الملك لا بحكم القرابة . وإن أعتقهم السيد ، لم يعتقوا ; لأنه لا يملكهم ، فلا يملك التصرف فيهم . وإن أعتقهم المكاتب بغير إذن سيده ، لم يعتقوا ; لتعلق حق سيده بهم . وإن أعتقهم بإذنه ، عتقوا ، كما لو أعتق غيرهم من عبيده .

                                                                                                                                            وإن أعتقه سيده ، عتق ، وصاروا رقيقا للسيد ، كما لو عجز ; لأن كتابته تبطل بعتقه ، كما تبطل بموته . وعلى ما اخترناه ، يعتقون ; لأنه عتق قبل فسخ الكتابة ، فوجب أن يعتقوا ، كما لو عتق بالإبراء من مال الكتابة ، أو بأدائه ، يحقق هذا أن الكتابة عقد لازم ، يستفيد بها المكاتب ملك رقيقه واكتسابه ، ويبقى حق السيد في ملك رقبته ، على وجه لا يزول إلا بالأداء ، أو ما يقوم مقامه ، فلا يتسلط السيد على إبطالها فيما يرجع إلى إبطال حق المكاتب ، وإنما يتسلط على إبطال حقه من رقبة المكاتب ، فينفذ في ماله دون مال المكاتب . وقد ذكرنا مثل هذا فيما مضى . وإن مات المكاتب ، ولم يخلف وفاء ، عاد رقيقا .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف ، ومحمد : يسعون في الكتابة على نجومها ، وكذلك أم ولده . وقال أبو حنيفة في الولد خاصة : إن جاء بالكتابة حالة ، قبلت منه ، وعتق . ولنا ، أنه عبد للمكاتب ، فصار بموته لسيده إذا لم يخلف وفاء كالأجنبي . وإن خلف وفاء ، انبنى على الروايتين في فسخ الكتابة ، على ما تقدم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية