الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
الوجه الرابع: أن كون الله يرى بجهة من الرائي ثبت بإجماع السلف والأئمة مثل ما روى اللالكائي عن علي بن [ ص: 445 ] أبي طالب أنه قال: "إن من تمام النعمة دخول الجنة والنظر إلى الله في جنته".

وعن عبد الله بن مسعود أنه قال في مسجد الكوفة، وبدأ باليمين قبل الحديث فقال: "والله ما منكم من إنسان إلا أن ربه سيخلو به يوم القيامة، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، قال: فيقول: ما غرك بي يا ابن آدم؟- ثلاث مرات- ماذا أجبت المرسلين؟ - ثلاثا- كيف عملت فيما علمت؟".

وعن أبي موسى الأشعري " أنه كان يعلم الناس سنتهم ودينهم. قال: فشخصت أبصارهم، أو قال: حرفوها عنه، قال: فما حرف أبصاركم عني؟ قالوا: الهلال أيها الأمير. قال: فذاك أشخص أبصاركم عني؟ قالوا: نعم. قال: فكيف إذا رأيتم الله جهرة؟".

[ ص: 446 ] وعن معاذ بن جبل قال: " يحبس الناس يوم القيامة في صعيد واحد، فينادى: أين المتقون؟ فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر. قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله العبادة فيمرون إلى الجنة".

[ ص: 447 ]

وروى اللالكائي عن ابن وهب قال: " سمعت مالك بن أنس يقول: الناظرون ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم".

وعن أشهب قال: وسئل مالك عن قوله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22-23] أينظر الله عز وجل؟ قال: نعم. فقلت: إن أقواما يقولون: ينظر ما عنده. قال: بل ينظر إليه نظرا، وقد قال موسى: قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني [الأعراف: 143] [ ص: 448 ] وقال الله: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون [المطففين: 15] وعن مالك أنه قيل له: " إنهم يزعمون أن الله لا يرى. فقال: السيف، السيف".

وقد تقدم كلام ابن الماجشون واحتجاجه أيضا على الرؤية بحجابه للكفار.

وعن الأوزاعي أنه قال: إني لأرجو أن يحجب الله جهما [ ص: 449 ] وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعده أولياءه، حين يقول: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة [القيامة: 22-23] فجحد جهم وأصحابه أفضل ثوابه الذي وعد أولياءه، وعن الوليد بن مسلم، قال: سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث [ ص: 450 ] التي فيها الرؤية. فقالوا: " أمروها بلا كيف".

وعن الربيع قال: حضرت الشافعي وقد جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قول الله كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال الشافعي: " فلما أن حجب هؤلاء في السخط كان هذا دليلا عن أنهم يرونه في الرضا" قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله! وبه تقول؟ قال: نعم، وبه أدين الله، لو لم يؤمن محمد بن إدريس أنه يرى الله لما عبد الله".

وعن عبد الله بن المبارك قال: ما حجب الله عنه أحدا إلا عذبه، ثم قرأ: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالو الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون [المطففين: 15-17] قال بالرؤية.

[ ص: 451 ] وقال الشيخ أبو نصر السجزي في كتاب " الإبانة " له: وأئمتنا رحمهم الله كسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وحماد بن سلمة، وحماد بن زيد، [ ص: 452 ] وعبد الله بن المبارك، وفضيل بن عياض، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي متفقون على أن الله سبحانه وتعالى بذاته فوق عرشه، وأن علمه بكل مكان، وأنه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء، فمن خالف شيئا من ذلك، فهو منهم بريء، وهم منه برآء".

التالي السابق


الخدمات العلمية