الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          771 - مسألة : ومن وطئ مرارا في اليوم عامدا فكفارة واحدة فقط ، ومن وطئ في يومين عامدا فصاعدا فعليه لكل يوم كفارة ، سواء كفر قبل أن يطأ الثانية أو لم يكفر : قال أبو حنيفة : عليه لكل ذلك - ولو أنه أفطر في كل يوم من رمضان عامدا - كفارة واحدة فقط إلا أن يكون قد كفر ثم أفطر نهارا آخر فعليه كفارة أخرى . وقد روي عنه : أنه سواء كفر أو لم يكفر ليس عليه إلا كفارة واحدة إذا كانت الأيام من شهر واحد ; فإن كان اليومان اللذان أفطر فيهما من شهر رمضان اثنين ، فلكل يوم منهما كفارة غير كفارة اليوم الآخر . فلم يختلف قوله فيمن تعمد الفطر أيام رمضان كلها أو بعضها أو يوما واحدا منها في أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة فقط ، إذا لم يكفر في خلال ذلك ، ولم يختلف قوله فيمن أفطر يومين من رمضانين أن عليه كفارتين كفر بينهما أو لم يكفر .

                                                                                                                                                                                          واختلف قوله فيمن أفطر يومين فصاعدا من رمضان واحد وكفر في خلال ذلك ; فمرة قال : عليه كفارة أخرى ، ومرة قال : ليس عليه إلا الكفارة التي كفر بعد . [ ص: 416 ] وقال مالك والليث ، والحسن بن حي ، والشافعي : مثل قولنا وهو عطاء ، وأحد قول الشافعي . قال أبو محمد : وهذا مما تناقض فيه أبو حنيفة وخالف فيه جمهور العلماء . برهان صحة قولنا - : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وطئ امرأته في رمضان بالكفارة ، فصح أن لذلك اليوم الكفارة المأمور بها ، وكل يوم فلا فرق بينه وبين ذلك اليوم ; لأن الخطاب بالكفارة واقع عليه فيه كما وقع في اليوم الأول ولا فرق . فإن قيل : هلا قستم هذا على الحدود ؟ قلنا : القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل ; لأن الحدود التي يقيمها الإمام والحاكم على المرء كرها ، ولا يحل للمرء أن يقيمها على نفسه ، بخلاف الكفارة التي إنما يقيمها المرء على نفسه وهو مخاطب بها على نفسه ، وليس مخاطبا بالحدود على نفسه ; وفروق أخر نذكرها إن شاء الله تعالى في الحدود ؟ وأيضا : فإن أبا حنيفة رأى إن كان اليومان من رمضانين فكفارتان ولا بد ; ولا خلاف منه في أنه لو زنى بامرأتين من بلدين مختلفتين في عامين مختلفين فحد واحد ، ولو شرب خمرا من عصير عام واحد ، وخمرا من عصير عام آخر فحد واحد ، ولو سرق في عامين مختلفين فقطع واحد - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          ومن أعجب الأشياء أن أبا حنيفة قال ما ذكرنا ، ورأى فيمن ظاهر من امرأتيه بلفظ واحد أن عليه لكل امرأة كفارة أخرى . وقال فيمن قال في مجلس : والله لا كلمت زيدا ، ثم قال في مجلس آخر : والله لا كلمت زيدا - : أنهما يمينان يجب عليه كفارتان ، ومن قال : والله والرحمن لا كلمت زيدا - : فعليه كفارتان إلا أن ينوي أنهما يمين واحدة . قال علي : وأما إذا كرر الوطء في يوم واحد مرارا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره إلا بكفارة واحدة ولم يسأله أعاد أم لا ؟ وأيضا : فإنه إذا وطئ فقد أفطر ، فالوطء الثاني وقع في غير صيام فلا كفارة فيه ، وأيضا : فإن الواطئ بأول إيلاجه متعمدا ذاكرا وجبت عليه الكفارة عاود أو لم يعاود ، ولا كفارة في إيلاجه ثانية بالنص ، والإجماع ؟

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية