الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له )

قال مالك في المدونة إذا اختلفا وهما زوجان أو عند الطلاق أو الورثة بعد الموت والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما مسلمان أو أحدهما قضي للمرأة بما هو شأن النساء وللرجل بما هو شأن الرجال وما يصلح لهما قضي به للرجل لأن البيت بيته في مجرى العادة فهو تحت يده فيقدم لأجل اليد ووافق مالكا أبو حنيفة والفقهاء رضي الله عنهم أجمعين وقال الشافعي لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدعين وقياسا على الصباغ والعطار إذا تداعيا آلة العطر أو الصبغ فإنه لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وإن شهدت العادة بأن آلة العطر للعطار وآلة الصبغ [ ص: 149 ] للصباغ فكذلك ههنا قال ابن يونس إذا فرعنا على مذهب مالك يحلف من قضي له .

وقال سحنون ما عرف لأحدهما لا يحلف وقال ابن القاسم ما كان شأن الرجال وشأن النساء قسم بينهما بعد أيمانهما لاشتراكهما في اليد وما ولي الرجل شراءه من متاع البيت وشهدت له البينة أخذه بعد يمينه ما اشتراه إلا له وكذلك المرأة فإن اختلفا في البيت نفسه فهو للرجل لأنه ملكه في غالب العادة ولأن يده عليه قال ابن يونس الذي يختص بالرجل نحو العمامة فالقول قوله فيه بغير يمين إلا أن تدعي المرأة إرثه فيحلف قال ابن حبيب ولا يكفي أحدهما أن يقول هذا لي لأنه متاع البيت حتى يقول هذا ملكي قال عبد الحق في تهذيب الطالب لو تنازعا في رداء فقال هو لها إلا الكتان بأن قال اشتريته فقال أصبغ له بقدر كتابه ولها بقدر عملها لأنه لو ادعاه صدق هذا تقرير المنقولات وأما وجه الجواب والفرق فنقول لنا قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف } فكل ما شهد به العادة قضي به لظاهر هذه الآية إلا أن يكون هناك بينة ولأن القول قول مدعي العادة في مواقع الإجماع .

وأما ما أشار إليه الشافعي رضي الله عنه وهو القياس على العطار والصباغ فمن أصحابنا من التزم التسوية أيضا أشار إليه ابن القصار في عيون الأدلة وعلى هذا يبطل القياس وإن قلنا بعدم التسوية فالفرق أن الإشهاد بين الزوجين يتعذر لأنهما لو اعتمدا ذلك وإن من كان له شيء أشهد عليه أدى ذلك إلى المنافرة وعدم الوداد بينهما وربما أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة فهما معذوران في عدم الإشهاد وملجآن إليه وإذا ألجئ لعدم إشهاد فلم يقض بينهما بالعادة لا نسد الباب عليهما بخلاف العطار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد لا ضرورة تدعوهما لعدم الإشهاد فإنهما أجنبيان لا يتألمان من ضبط أموالهما بذلك وإن كانا في حانوتين أو تداعيا شيئا في يد ثالث فنقول الفرق أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين فسلك بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصباغ فجريا على قاعدة الدعوى واستدل الشافعي أيضا [ ص: 150 ] بقوله صلى الله عليه وسلم { البينة على من ادعى واليمين على من أنكر } فكل من ادعى من الزوجين كان عليه البينة لظاهر الحديث .

وجوابه أن قاعدة المدعي هو كل من كان على خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه هو كل من كان قوله على وفق أصل أو عرف فالمدعي بالدين على خلاف الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمطلوب المنكر على وفق الأصل لأن الأصل براءة الذمة والمدعي رد الوديعة وقد قبضها ببينة قوله على خلاف الظاهر والعرف بسبب أن الغالب أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة فدعوى الرد على خلاف الظاهر والمدعي عدم قبضها على وفق الظاهر وهو المدعى عليه وإذا كان هذا ضابط المدعي والمدعى عليه فإذا ادعت المرأة مقنعة وشبهها كان قولها على وفق الظاهر .

وقول الزوج على خلاف الظاهر فالزوج مدع فعليه البينة وهي مدعى عليها فالقول قولها فنحن نقول بموجب الحديث لا أنه حجة علينا واحتجوا أيضا بأن كل موضع لو كان المتداعيان امرأتين أو رجلين لم يقدم أحدهما على الآخر فكذلك إذا كانا رجلا وامرأة لم يقدم أحدهما على الآخر بالصلاحية بالقياس على ما إذا كان في يد ثالث ويؤكد أن حكم اليد لا يسقط بالصلاحية أن من كان بيده خلخال فادعته امرأة أجنبية فالقول قوله وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه لأجل أن يده عليه وكذلك لو كان بيد المرأة سيف فادعاه رجل فالقول قولها وإن كان لا يصلح لها لأجل أن يدها عليه فكذلك ههنا إذا كانا في الدار وفيها ما يصلح لأحدهما فإن يدهما عليه فلا يسقط اعتبار اليد بصلاحيته لأحدهما دون الآخر

( والجواب ) أنه لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة وبين الرجلين وبين المرأتين وبين اليد الحكمية والمشاهدة فلو تعلق رجل وامرأة بخلخال وأيديهما جميعا عليه يتجاذبانه قضينا به للمرأة مع يمينها ولو تجاذبا سيفا كان للرجل مع يمينه وأما إذا كان بيد ثالث فليس لأحدهما عليه يد بخلاف مسألتنا فإن المستند عندنا اليد مع الصلاحية فإن قالوا ما ذكرتموه يبطل بأن ما يصلح لهما يكون للزوج مع أنه لا ظاهر يشهد له ويد كل واحد منهما عليه فقد نقضتم أصلكم ورجحتم من غير ترجيح فإن اليد مشتركة .

والظاهر من جهة الصلاحية منفي في حق كل واحد منهما قلنا بل يد الزوج أقوى وهو المرجح لأن المرأة في يده وتحت حوزه والدار له ألا ترى أن عليه أن يسكنها وأن يجيرها وأن يخدمها فالدار هي من [ ص: 151 ] قبله كحوز امرأته فلذلك قضي له مع يمينه كالمتداعيين لأحدهما يد والآخر لا يد له قالوا ما ذكرتموه من الظاهر إنما يشهد بالاستعمال فقط فإن السيف إنما يستعمله الرجال والحلي إنما يستعمله النساء ونزاعنا إنما هو في الملك لا في الاستعمال وقد تملك المرأة ما يصلح للرجل للتجارة أو بعارض من إرث أو غيره فقد أصدق علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها درعا من حديد وقد يملك الرجال ما يصلح للنساء للتجارة أو غير ذلك من أسباب التمليك قلنا الظاهر فيما في يد الإنسان مما يصلح له أنه ملكه وهذا هو الغالب وغيره نادر وإذا دار الحكم بين النادر والغالب فحمله على الغالب أولى ألا ترى أن من هو ساكن في دار ويده عليها يقضى له بالملك بناء على الغالب وظاهر اليد فكذلك ههنا ووافقنا أبو حنيفة في هذه المسألة من حيث الجملة لكنه قال ما يصلح لهما فهو للرجال إن كان حيا وإن كان ميتا فهو للمرأة وقال محمد بن الحسن من أصحابه هو لورثة الزوج كقولنا وقال أبو حنيفة إن تداعياه وهو في أيديهما مشاهدة قسم بينهما وقال أبو حنيفة أيضا إذا كانا أجنبيين يسكنان معا فتداعيا شيئا مما كان يصلح للرجل فهو له وما كان يصلح للمرأة فهو لها وما كان يصلح لهما قسم بينهما .

وإن اختلف العطار والدباغ في المسك والجلد فإنه يقسم بينهما وتناقض قوله في هذه الفروع وإن كان من حيث الجملة موافقا لنا وأما الشافعي فطريقته واحدة وهي أن الزوجين إذا تداعيا شيئا فمن أقام بينة فهو له كما قلناه وإلا قسم بينهما نصفين بعد أيمانهما وكذلك الأجنبيان إذا سكنا دارا واحدة واحتج أبو حنيفة فيما إذا مات الرجل أن سلطانه زال عن المرأة بالموت فكانت المرأة أرجح فيما تدعيه وجوابه أن الوارث شأنه أن ينتقل له ما كان لمورثه على الوجه الذي كان له بدليل الأخذ بالشفعة والرد بالعيب وخيار الشرط ( تفريع ) قال الطرطوشي في تعليقه الذي تقدم فيه المرأة ويقضى لها به لأجل الصلاحية الحلي وثياب النساء وجميع الجهاز من الطست والمنارة والثياب والقبقاب والبسط والوسائد والمرافق والعرش ونحو ذلك الذي يقضى به للرجل السلاح والمنطقة والخاتم الفضة وثياب الرجل ونحو ذلك والذي يصلح لهما كالدار التي يسكنانها والرقيق وأما أصناف الماشية فلمن حازه لأنها ليست من متاع البيت وكذلك ما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير [ ص: 152 ] فلمن حازه قال مالك والحصر كالدار إلا أن يعرف للزوجة وقال مالك ما يصلح للرجل أخذه مع يمينه وقال سحنون لا يمين على واحد منهما فيما يصلح له إنما اليمين على الرجل فيما يصلح لهما وقاله ابن القاسم في غير المدونة وهو ظاهر قول مالك وقال ابن سحنون لا يقضى لواحد منهما بشيء إلا بعد يمينه .

وقال المغيرة ما يصلح لهما قسم بينهما بعد أيمانهما وسواء في هذا كله اختلفا قبل الطلاق أو بعده أو بعد خلع أو لعان أو فراق أو إيلاء أو غيره أو ماتا أو أحدهما واختلف الورثة والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما حر والآخر عبد كانت الزوجة ذمية أم لا وسواء في هذا كله كانت عليه يد مشاهدة أو حكمية فاليد المشاهدة أن يكونا قابضين على الشيء فيتجاذبانه ويتنازعانه والحكمية أن يكون في الدار التي يسكنانها وسواء في هذا كله الزوجان والأجنبيان إذا سكن رجل وامرأة في دار وذوات المحارم الكل سواء وهذا أصل لا مناقضة فيه على المذهب حتى قال أئمتنا لو اختلف عطار ودباغ في المسك والجلد واختلف القاضي والحداد في القلنسوة والكير وكانت لهما عليه يد حكمية في دار يسكنانها أو مشاهدة أو تنازع رجل وامرأة رمحا وهما يتجاذبانه فالقول في هذا كله قول من شهد له العرف والعادة فيحكم للرجل بالرمح مع يمينه وإن كان دملجا قضي به للمرأة مع يمينها ويقضى للعطار بالمسك مع يمينه وأما إن كان الزوجان في البيت فجاز أحدهما في يده وقبضته ما يصلح للآخر دونه قال فالذي يتبين لي فيه أن القول قول من حازه دون الآخر

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال ( الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد معهما فيما يشبه أن يكون له إلى قوله هذا تقرير المنقولات ) قلت لا كلام في ذلك [ ص: 149 ]

قال ( وأما وجه الجواب والفرق إلى آخر ما قاله في هذا الفرق ) قلت في ذلك نظر وتمسك الشافعي بالحديث ظاهر وجواب المالكية بتفسير المدعي والمدعى عليه بما فسروا لا بأس به وجعل المالكية اليد لهما أعني الزوجين مع قولهم إن الرجل جائز للمرأة فيه درك لا يخفى وبالجملة المسألة محل نظر [ ص: 150 - 151 ]



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين في غير الزوجين شيئا لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين قاعدة المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدم كل واحد منهما فيما يشبه أن يكون له )

عند مالك ووافقه أبو حنيفة وفقهاء المدينة السبعة رضي الله عنهم أجمعين نعم خالف أبو حنيفة مالكا في بعض فروع المسألة وسيأتي تقرير المنقولات فيها فترقب لا عند الشافعي فقد قال لا يقدم أحد الزوجين على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدعين محتجا بثلاثة أمور

( الأمر الأول ) قوله صلى الله عليه وسلم { البينة على من ادعى واليمين على من أنكر } فكل من ادعى من الزوجين [ ص: 185 ] كان عليه البينة لظاهر الحديث

( الأمر الثاني ) القياس على الصباغ والعطار فكما أنهما إذا تداعيا آلة العطر والصبغ لا يقدم أحدهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وإن شهدت العادة بأن آلة العطر للعطار وآلة الصبغ للصباغ كذلك هاهنا

( الأمر الثالث ) أن حكم اليد كما لا يسقط بالصلاحية فيما إذا كان في يد ثالث غير المتداعيين كذلك لا يسقط بها في كل موضع يكون المتنازع فيه بيد أحد المتداعيين لا فرق بين كونهما امرأتين أو رجلين أو رجلا وامرأة ألا ترى أن الرجل لو كان بيده خلخال فادعته امرأة أجنبية فالقول قوله وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه لأجل أن يده عليه وأن المرأة لو كان بيدها سيف فادعاه رجل فالقول قولها وإن كان لا يصلح لها لأجل أن يدها عليه فالزوجان إذا كانا في الدار وفيها ما يصلح لأحدهما ويدهما عليه كذلك لا يسقط اعتبار اليد بصلاحيته لأحدهما دون الآخر .

ووجه الجواب والفرق إما عن الحديث فهو أن القاعدة أن المدعي هو كل من كان قوله خلاف أصل أو عرف والمدعى عليه هو كل من كان قوله على وفق أصل أو عرف مثلا المدعي بالدين على خلاف الأصل لأن الأصل براء الذمة والمطلوب المنكر على وفق الأصل لما علمت والمدعي رد الوديعة وقد قبضها ببينة هو المدعي لأن قوله على خلاف الظاهر والعرف بسبب أن الغالب أن من قبض ببينة لا يرد إلا ببينة والمدعي عدم قبضها لكون قوله على وفق الظاهر والعرف على المدعى عليه وهذه القاعدة تقتضي أن المرأة إذا ادعت مقنعة وشبهها كان قولها على وفق الظاهر وقول الزوج على خلاف الظاهر فالزوج مدع فعليه البينة وهي مدعى عليها فالقول قولها تقول بموجب الحديث لا أنه حجة علينا قال ابن الشاط وتمسك الشافعي بالحديث ظاهر وجواب المالكية بتفسير المدعي والمدعى عليه بما فسروا به لا بأس به . ا هـ

( وأما عن القياس ) على الصباغ والعطار فهو باطل أما على قول بعض أصحابنا بالتزام مساواة مسألة الصباغ والعطار لمسألة الزوجين في تقديم ما شهدت العادة له كما أشار إليه ابن القصار في عيون الأدلة لظاهر قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف } من أن كل ما شهدت به العادة قضي به إلا أن يكون هناك بينا ولأن القول قول مدعي العادة في مواقع الإجماع فظاهر وأما على القول بعدم التسوية بين المسألتين فلأن القياس لا يصح مع الفارق .

والفرق بين المسألتين إما مع كون الصباغ والعطار في حانوتين أو تداعيا شيئا في يد ثالث فهو أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين فسلك بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصباغ فجريا على قاعدة الدعاوى وأما مع كونهما في حانوت واحد فهو أن الإشهاد بين الزوجين يتعذر لأنهما لو اعتمدا ذلك وأن من كان له شيء أشهد عليه لأدى ذلك إلى المنافرة وعدم الوداد بينهما وربما أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة فهما معذوران في عدم الإشهاد كالغفارة إلى ذلك فلو لم يقض بينهما مع ذلك الإلجاء بالعادة لاستد الباب عليهما بخلاف العطار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد فإنه لا ضرورة تدعوهما لعدم الإشهاد لكونهما أجنبيين لا يتألمان من ضبط أموالهما بذلك ( وأما عن القياس ) على ما إذا كان المتنازع فيه بيد ثالث فهو أنه قياس مع الفارق .

وذلك أن المستند عندنا في مسألتنا أمران : اليد مع الصلاحية إذ لا فرق عندنا بين الرجل والمرأة وبين الرجلين وبين المرأتين وبين اليد الحكمية والمشاهدة فلو تعلق رجل وامرأة بخلخال وأيديهما جميعا يتجاذبانه [ ص: 186 ] به قضينا به للمرأة مع يمينها ولو تجاذبا سيفا كان للرجل مع يمينه والمستند فيما إذا كان بيد ثالث الصلاحية فقط إذ ليس لأحد المتداعيين عليه يد وقولنا ما يصلح للزوجين يكون للزوج مع أنه لا ظاهر يشهد له ويد كل واحد منها عليه ليس نقضا لا سلبا ولا ترجيحا بلا مرجح نظرا لكون اليد مشتركة بل هو جار على أصلنا من الترجيح بمرجح لأن يد الزوج أقوى وهو المرجح لأن المرأة في يده وتحت حوزه والدار له ألا ترى أن عليه أن يسكنها وأن يجبرها وأن يخدمها فالدار هي من قبله كحوز امرأته فلذلك قضي له مع يمينه كالمداعيين لأحدهما يد دون الآخر وكون ما ذكرناه من الظاهر إنما يشهد بالاستعمال فقط فإن السيف إنما يستعمله الرجال ، والحلي إنما يستعمله النساء ، والنزاع إنما هو في الملك لا في الاستعمال وقد تملك المرأة ما يصلح للرجال للتجارة أو بعارض من إرث أو غيره فقد أنكح علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها درعا من حديد وقد يملك الرجال ما يصلح للنساء للتجارة أو غير ذلك من أسباب التمليك مدفوع بأن الغالب فيما في يد الإنسان مما يصلح له أنه ملكه ويندر أنه لا يملكه وإذا دار الحكم بين النادر والغالب فالأولى حمله على الغالب ألا ترى أن من هو ساكن في دار ويده عليها يقضى له بالملك بناء على الغالب وظاهر الملك كذا في الأصل قال ابن الشاط وجعل المالكية اليد لهما أعني الزوجين مع قولهم إن الرجل حائز للمرأة فيه درك لا يخفى وبالجملة المسألة محل نظر ا هـ بلفظ والله أعلم

( وصل ) في توضيح هذا الفرق بأربع مسائل

( المسألة الأولى ) قال مالك في المدونة إذا اختلفا وهما زوجان أو عند الطلاق أو الورثة بعد الموت والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما مسلمان أو أحدهما قضي للمرأة بما هو شأن النساء وللرجل بما هو شأن الرجال وما يصلح لهما قضي به للرجل لأن البيت بيته في مجرى العادة فهو تحت يده فيقدم لأجل اليد قال ابن حبيب ولا يكفي

أحدهما أن يقول هذا لي لأنه متاع البيت حتى يقول هذا ملكي قال عبد الحق في تهذيب الطالب لو تنازعا في رداء فقال هو لها إلا الكتان بأن قال اشتريته فقال أصبغ له بقدر كتانه ، ولها لأنه بقدر عملها لو ادعاه صدق وقد تقدم في الصباغ والعطار قولان لأصحاب مالك

( المسألة الثانية ) قال مالك ما يصلح للرجل أخذه مع يمينه وقال سحنون لا يمين على واحد منهما فيما يصلح له إنما اليمين على الرجل فيما يصلح لهما وقاله ابن القاسم في غير المدونة .

وهو ظاهر قول مالك قال ابن يونس الذي يختص بالرجل نحو العمامة فالقول قوله فيه بغير يمين إلا أن تدعي المرأة إرثه فيحلف وقال ابن سحنون لا يقضى لواحد منهما بشيء إلا بعد يمينه وقال المغيرة ما يصلح لهما قسم بينهما بعد أيمانهما وسواء في هذا كله اختلفا قبل الطلاق أو بعده أو بعد خلع أو لعان أو فراق أو إيلاء أو غيره أو ماتا أو أحدهما واختلف الورثة والزوجان حران أو عبدان أو أحدهما حر والآخر عبد كانت الزوجة ذمية أم لا وسواء في هذا كله كانت لها عليه يد مشاهدة أو حكمية فاليد المشاهدة أن يكونا قابضين على الشيء فيتجاذبانه ويتنازعان والحكمية أن يكون في الدار التي يسكنانها وسواء في هذا كله الزوجان والأجنبيان وذوات المحارم إذا سكن رجل وامرأة في دار وهذا الأصل لا مناقضة فيه على المذهب حتى قال أئمتنا لو اختلف عطار ودباغ في المسك والجلد واختلف القاضي والحداد في القلنسوة والكير وكانت لهما عليه يد حكمية في دار يسكنانها أو مشاهدة [ ص: 187 ] أو تنازع رجل وامرأة رمحا وهما يتجاذبانه فالقول في هذا كله قول من شهد له العرف والعادة فيحكم للرجل بالرمح مع يمينه وإن كان دملجا قضي به للمرأة مع يمينها ويقضى للعطار بالمسك مع يمينه وأما إن كان الزوجان في البيت فحاز أحدهما في يده وقبضته ما يصلح للآخر دونه قال فالذي يتبين لي فيه أن القول قول من حازه دون الآخر ( المسألة الثالثة ) قال الطرطوشي في تعليقه الذي تقدم فيه المرأة ويقضى لها به لأجل الصلاحية الحلي وثياب النساء وجميع الجهاز من الطست والمنارة والثياب والقبقاب والبسط والوسائد والمرافق والفرش ونحو ذلك والذي يقضى به للرجل السلاح والمنطقة والخاتم الفضية وثياب الرجل ونحو ذلك والذي يصلح لهما كالدار التي يسكنانها والرقيق .

وأما أصناف الماشية فلمن حازه لأنها ليست من متاع البيت وكذلك ما في المرابط من خيل أو بغال أو حمير فلمن حازه قال مالك والحصر كالدار إلا أن يعرف للزوجة ، هذا تقرير المنقولات في مذهب مالك رحمه الله تعالى وتناقض قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى في هذه الفروع وإن كان من حيث الجملة موافقا لنا فقال ما يصلح لهما فهو للرجل إن كان حيا ، وإن كان ميتا فهو للمرأة وقال محمد بن الحسن من أصحابه هو لورثة الزوج كقولنا ، وقال أبو حنيفة إن تداعياه وهو في أيديهما مشاهد قسم بينهما .

وقال أبو حنيفة أيضا إذا كانا أجنبيين يسكنان معا فتداعيا شيئا مما كان يصلح للرجل فهو له وما كان يصلح للمرأة فهو لها وما كان يصلح لهما قسم بينهما وإن اختلف العطار والدباغ في المسك والجلد فإنه يقسم بينهما واحتج أبو حنيفة فيما إذا مات الرجل أن سلطانه زال عن المرأة بالموت فكانت المرأة أرجح فيما تدعيه . وجوابه : أن الوارث شأنه أن ينتقل له ما كان لمورثه على الوجه الذي كان له بدليل الآخذ بالشفعة والرد بالعيب وخيار الشرط وأما الشافعي فطريقته واحدة وهي أن الزوجين إذا تداعيا شيئا فمن أقام البينة فهو له كما قلناه وإلا قسم بينهما نصفين بعد أيمانهما وكذلك الأجنبيان إذا سكنا دارا واحدة

( المسألة الرابعة ) قال عبق المسألة التي أشار لها المصنف بقوله وفي متاع البيت فللمرأة إلخ لم يثبت فيها كون الشيء لأحدهما وسواء كان التنازع بينهما أو بين ورثة أحدهما مع الآخر أو بين ورثتيهما وأما مسألة من حلى زوجته تزينا بحلي في ملكه ببينة ولم تقم هي بينة على هبته لها فإنه وإن تعلق بالنساء لم تختص به عن الورثة إذا مات ولا تأخذه إذا طلقها ولو طال تحليها به فيهما كما اقتصر عليه عج في باب الهبة عند قول المصنف لتحلية ولده وكثيرا ما يقع ذلك بمصر وإن كان المشاع على ألسنة الناس أن كل شيء تمتعت به المرأة فهو لها لثبوت ملك الحلي للرجل ولكن حلاها به كما مر وأولى من التحلية الفرش ونحوها ثم لا يعارض هذا قول المصنف في الهبة وهبة أحد الزوجين للآخر متاعا لأنه فيما يثبت أنه وهب أحدهما للآخر بصيغة أو مفهمها وما هنا لم يقع إلا التحلية أو التمتع بالفرش فقط . ا هـ

بتصرف قال الرهوني وما رجحه عج باقتصاره عليه هو الراجح من الأقوال الثلاثة في المسألة نقلا ومعنى أما نقلا فلقول صاحب الفائق وأفتى ابن الحاجب وابن رشد أن القول قول الزوج فيما اشتراه من الحلي والثياب وأعطاه لزوجته تلبسه وتتزين به أنه عارية لا هبة وتمليك وكذلك يكون القول قول ورثته في ذلك مع أيمانهم إلا أنهم يحلفون على العلم لا على البت ا هـ .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

وفي نوازل النكاح من المعيار أن ابن سراج [ ص: 188 ] أجاب عن رجل اشترى لزوجه جملة حوائج من قصب ذهب وثوبي حرير وعقد جوهر وفرخة شرب وغير ذلك ودفع ذلك كله لزوجه المذكورة وألبسها إياها على وجه المتعة لا التمليك ثم بعد ذلك اشترى قطيفتين ومطرحين وغير ذلك وبقيت الزوجة تلبس ما ساق لها وتتزين وتمتهن القطيفتين والمطرحين وغير ذلك مدة أزيد من ثمانية أعوام فلما توفي الزوج في هذه الأشهر القريبة قام بعض ورثته يطلب ميراثه في جملة ما ذكر ويدعيه ملكا لمورثه فهل يجب لذلك الطالب من ذلك شيء مع بقاء ذلك بيد الزوجة هذه المدة وسكوت الزوج مع علمه بامتهان ذلك كله ودفعه أولا على الوجه المذكور بما نصه إن يثبت أن الزوج ملك زوجه تلك الحوائج كانت لها وإلا حلف الورثة أنهم لا يعلمون أنه ملكها إياها ووقع فيها الميراث وأن أبا عثمان سعيد بن ضمير أجاب عن الرجل يتزوج المرأة ولا يعرف لها جهاز قليل ولا كثير وتدخل على جهاز امرأة كانت له قبل هذه ويشتري الزوج بعد ذلك أيضا مما يكون للنساء من الثياب والحلي ويقيم الزوج البينة أنه ابتاع ذلك كله بعد البناء بزمان ولم يذكر أنها عارية . وسكت عن ذكر ذلك إلا أنها تنتفع بذلك وتتزين به فينزل بينهما فراق أو موت فتدعي المرأة في ذلك كله

بما نصه ليس لها مما ذكرت شيء إلا أن يعرف أنها خرجت به من بيتها أو تصدق به عليها وأفادت مالا وعرف ذلك واستبان واتضح وأنه يكون كما وصفت وما لم يعرف لها مال ولا تصدق عليها ولا أفادت فليس لها من ذلك شيء لأن الزوج يقول أردت جمال بيتي وجمال امرأتي وزينتها بذلك فالقول قوله وقول ورثته بعده وقيل لابن ضمير فما ترى إن قالت إني اكتسبته وجمعته فقال ليس يعرف الكسب للنساء إلا أن يكون ميراثا أو هبة أو صدقة ويعرف ذلك حينئذ يجوز ما تقول إذا كانت المرأة لا يعرف لها قليل ولا كثير من قبل دخولها عليه وأجاب ابن لبابة أما ما عرف مما ابتاعه الزوج بعد البناء لامرأته من حلي أو متاع يعرف للنساء ويزين امرأته السنة والسنتين وأكثر من ذلك ولم يشهد لها على عطية ولا هبة فهو أحق به أيضا ولا شيء للثانية فيه والورثة بمنزلة الميت إلا أن تكون لها بينة على ذلك وإلا فلا شيء لها . ا هـ

وفي نوازل المعاوضات من المعيار في جواب لأبي إسحاق الشاطبي ما نصه دعوى المرأة في الثياب أن زوجها ساقها لها لا تسمع إلا إذا قامت البينة على أن تلك الثياب بأعيانها من جملة السياقة أو أنه وهبها لها على الخصوص فإن لم تقم على ذلك بينة فالقول قول ورثة الميت مع أيمانهم لا يعلمون تلك الثياب من مال المرأة ولا متاعها إلى آخر نص اليمين ولا تدخل هذه المسألة في مسألة الاختلاف في متاع البيت لكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها لها فهل تستحقها بذلك أم لا والصحيح في المذهب أن الرجل ليس له أن يرتجع كسوة المرأة عند فراقها إذا كانت مبتذلة فإن لم تبتذل كان له ارتجاعها فهذه الثياب مثلها إن كانت الزوجة قد ابتذلتها فهي لها وإلا صارت ميراثا ا هـ .

وأما معنى فلما قالوه من أن الإنسان أعرف بكيفية خروج ملكه من يده ولأن الأصل بقاء ما كان ولأن الزوج يجب أن يجمل زوجته ليستمتع بها ويخشى أن يملكها ذلك أن يقع بينهما ما يوجب الفراق أو يموت فتذهب بماله لزوج آخر فيجعل [ ص: 189 ] ذلك بيدها على وجه العارية فيحصل له ما أحب ويأمن مما يخشاه فتأمله بإنصاف وقيل القول قول الزوجة مطلقا وقيل بالتفصيل ففي الفائق ما نصه قال الداودي ما اشتراه الرجل لزوجته من الثياب فلبستها في غير البذلة ثم نزل بينهما فراق وادعى أن ذلك منه عارية وأنكرته نظر فإن كان الرجل مثله يشتري الثياب لزوجه على وجه العارية فالقول قوله مع يمينه وإن كان مثله في ملائه وشرفه لا يشتري ذلك للعارية فالقول قولها مع يمينها قال وسواء كان لباسها قليلا أو كثيرا قريبا أو بعيدا . ا هـ

وذكر ابن عات في طرره قول الداودي وزاد ما نصه قال ابن تليد وإن ابتاع الرجل لزوجته كسوة مثل ثوب أو فرو ثم تموت فيريد أخذها لم يكن ذلك له وهو موروث عنها وكذلك قال بعض الشيوخ في الموت والطلاق وبه العمل وهذا إذا كانت لغير البذلة ا هـ وجريان العمل بهذا القول لا يقتضي تقديمه على الراجح لأن لتقديمه عليه شروطا منها استمرار العمل وهو منتف هنا إذ كثير من المحققين ممن بعد صاحب الطراز لم يعرجوا عليه وأفتوا بغيره سيدي عبد القادر الفاسي في أجوبته ولم يذكره ولده في نظم العمل ولا غيره من المتأخرين ممن تعرضوا لعد ما به العمل والله أعلم وفي قول الإمام أبي إسحاق الشاطبي لكن يبقى النظر في لباسها تلك الثياب وامتهانها فهل تستحقها بذلك أم لا إلخ نظر ظاهر وإن سكت عنه الإمامان أبو العباس الونشريسي وسيدي عبد القادر الفاسي .

ووجه ذلك أنه معترف بأنه إنما اعتمد في ذلك على القياس الذي ذكره وهو غير صحيح لأن مسألة الطلاق التي جعلها أصلا لهذه مباينة لهذه أشد المباينة لأن مسألتنا هذه قد سلم هو نفسه أن دفع الزوج لما ذكر هو على وجه العارية وعليها البينة أنه وهبها مثلا ولا خلاف في المذهب بل ولا خارجه فيما أعلم أن العارية لا تملك بطول الانتفاع بها ولا بامتهان المعار إياها ودفع الزوج الكسوة في مسألة الطلاق كان منه على وجه التمليك أداء لما وجب عليه لكن لما كان ذلك عليه في مقابلة الاستمتاع فرقوا بين أن يقع الطلاق عن قرب فترجع له أو بعد فلا وحدوا البعد بثلاثة أشهر كما أشار له المصنف فيما يأتي بقوله لا الكسوة بعد أشهر فيلزم على قياسه هذا أنها مهما أقامت بيدها العارية ثلاثة أشهر فهو لها والنصوص مصرحة برد ذلك فراجعها متأملا والله أعلم فتأمله بإنصاف .

وعكس هذه المسألة مثلها وهي أن تكسو المرأة زوجها ففي الفائق ما نصه كتب إلى القاضي أبي الوليد بن رشد رحمه الله ما تقول فيما تخرجه المرأة أو وليها في شورتها باسم الزوج كالغفارة والمحشو والقميص والسراويلات وربما لبس ذلك الزوج بعد بنائه بالأيام اليسيرة أو الكثيرة وربما لم يلبسها ثم تذهب الزوجة ووليها إلى أخذ الثياب ويزعمون أنها كانت عارية وأنها جعلت ذلك على طريق التزين لا على طريق العطية فهل ترى ذلك للزوج أم لا فأجاب إن كان في هذه الثياب المخرجة في الشورة عرف البلد قد جرى به الأمر واستمر عليه العمل حكم به وإن لم يكن في ذلك عرف معلوم فالقول قول المرأة أو وليها فيما يدعيان من أنها عارية أو على سبيل التزيين وبالله التوفيق لا رب سواه . ا هـ

ونحوه في طرر ابن عات ونسبه لمختصر الخديرية ونحوه في الدر النثير ونسبه لمختصر الخديرية وأشار إليه المواق [ ص: 190 ] عند قوله قبل إلا أن يستحق شيء فيلزم وكلهم ساقوه كأنه المذهب ولم يحكوا غيره وهو ظاهر والله أعلم ا هـ كلام الرهوني بتصرف والله سبحانه وتعالى أعلم

( خاتمة ) نسأل الله حسنها اعلم رحمك الله تعالى أن اعتبار العادة والعرف هنا عند بعض الأئمة تارة وعدم اعتبارها تارة كما علمت مبني على الفرق الذي فات الأصل ذكره في فروقه بين قاعدة العادة المحكمة والعادة الغير المحكمة وأنا أحرره لك هنا ليتضح لك المقام بحول الملك العلام فأقول قال الجلال السيوطي في كتابه الأشباه والنظائر الفقهية ما خلاصته إن العادة المحكمة ما تحقق فيها شرطان

( الشرط الأول ) الاطراد فلا تعتبر المطربة وفي اعتبار ما تعارضت في اعتبارها لظنون خلاف

( الشرط الثاني ) أن لا تتعارض مع شرع يتعلق به حكم والإقدام عليها قطعا مثلا إذا أوصى لأقاربه لم يدخل ورثته عملا بتخصيص الشرع إذ لا وصية لوارث قال وأصلها قال القاضي قوله صلى الله عليه وسلم { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } قال العلائي ولم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود موقوفا عليه أخرجه أحمد في مسنده واعتبار العادة والعرف راجع إليه مسائل في الفقه لا تعد كثرة قال فتعتبر وتقدم حتى على الشرع الذي لم يتعلق به حكم كما لو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالسمك وإن سماه الله لحما أو لا يجلس على بساط أو تحت سقف أو في ضوء سراج لم يحنث بالجلوس على الأرض وإن سماها الله بساطا ولا تحت السماء وإن سماها الله سقفا ولا في الشمس وإن سماها الله سراجا أو لا يضع رأسه على وتد لم يحنث بوضعها على جبل وإن سماه الله وتدا أو لا يأكل ميتة أو دما لم يحنث بالسمك والجراد والكبد والطحال ففي جميع ذلك يقدم عرف الاستعمال على الشرع لأنها استعملت فيه تسمية بلا تعلق حكم وتكليف قال وفي تقديمه على اللغة إذا تعارض معها لأنه محكم في التصرفات سيما الأيمان أو تقديم اللغة عملا بالوضع خلاف في المذهب في حق العربي فقط أما العجمي فيعتبر عرفه قطعا إذ لا وضع يحمل عليه وأما العرف الخاص فإن كان محصورا لم تؤثر معارضته للعرف العام وإن كان غير محصور اعتبر ونزل منزلة العام في الأصح فافهم ا هـ .

ومنه تعلم أن العادة الغير المحكمة ما انتفى عنها أحد الشرطين المذكورين أما الأول فلأن المطربة لم تتقرر بين الناس حتى تعتبر وأما الثاني فلمعارضتها لأحكام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فيكون حكمها منكرا من بقايا الجاهلية في كفرهم بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعكوفهم على عوائدهم التي جاء الشرع بإبطالها فمن استحله من المسلمين مع العلم بتحريمه حكم بكفره وارتداده كما في بغية المسترشدين عن أحكام النوازل على مذهب الشافعي عن فتاوى بامخرمة والله أعلم .




الخدمات العلمية