الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال الآمدي: "فإن قيل : الكلام إنما هو في الجسم في الزمان الثاني ، والجسم في الزمان الثاني لا يخلو عن الحركة والسكون ، بالتفسير المذكور ، فهذا قول ظاهر الإحالة ، فإنه إذا كان الكلام في الجسم إنما هو الزمان الثاني ، فوجود الجسم بالزمان الثاني ليس هو حالة الأولية ، وعند ذلك فلا يلزم أن [ ص: 276 ] يكون الجسم أزلا لا يخلو عن الحركة ، والسكون .

قلت : بل بتقدير قدمه لا يخلو عن الحركة والسكون ، لأنه حينئذ إما أن يبقى في حيز أو ينتقل عنه ، والأول : السكون ، والثاني: الحركة .

وما ذكره الآمدي من جواز خلوه عنهما -على أحد التقديرين- فإنما هو بتقدير حدوثه. ومعلوم أنه إذا كان بتقدير قدمه لا يخلو عنهما ، وكلاهما ممتنع ، كان بتقدير قدمه مستلزما لأمر ممتنع ، وهو الجمع بين النقيضين ، فإنه إذا صحت المقدمتان لزم أن يكون حادثا بتقدير قدمه ، وهو أنه لو كان قديما لم يخل من حادث، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث .

وما ذكره الآمدي إنما يتوجه إذا قيل : الجسم مطلقا لا يخلو عن الحركة والسكون، وحينئذ فإما أن يخلو عنهما أو لا يخلو ، فإن خلا عنهما لم يكن ذلك إلا حال حدوثه ، فيكون حادثا . وإن لم يخل عنهما لزم أن يكون حادثا ، فيلزم حدوثه على كل تقدير .

ونحن نذكر ما يقدح به الآمدي وأمثاله في حججهم التي احتجوا بها في موضع آخر ، وإن كان بعض ذلك القدح ليس بحق ، ولكن يعطي كل ذي حق حقه ، قولا بالحق، واتباعا للعدل . [ ص: 277 ]

وقد ذكرنا كلام الآمدي على سائر ما ذكره في امتناع كون الحركة أزلية ، مثل قوله : "لم قلتم بامتناع كون الحركة أزلية ؟ وما ذكروه من الوجه الأول فإنما يلزم أن لو قيل بأن الحركة الواحدة بالشخص أزلية وليس كذلك ، بل المعنى بكون الحركة أزلية أن أعداد أشخاصها المتعاقبة لا أول لها ، وعند ذلك فلا منافاة بين كون كل واحدة من آحاد الحركات الشخصية حادثة ومسبوقة بالغير، وبين كون جملة آحادها أزلية ، بمعنى أنها متعاقبة إلى غير نهاية" إلى آخر كلامه .

والمقصود هنا التنبيه على أنه نقص في موضع آخر عامة ما احتج به هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية