الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        تفسير سورة بني إسرائيل

                                                                                                                                                                                                                                        وهي مكية

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير

                                                                                                                                                                                                                                        ينزه تعالى نفسه المقدسة ويعظمها لأن له الأفعال العظيمة والمنن الجسيمة التي من جملتها أنه أسرى بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الذي هو أجل المساجد على الإطلاق إلى المسجد الأقصى الذي هو من المساجد الفاضلة وهو محل الأنبياء.

                                                                                                                                                                                                                                        فأسرى به في ليلة واحدة إلى مسافة بعيدة جدا، ورجع في ليلته، وأراه الله من آياته ما ازداد به هدى وبصيرة وثباتا وفرقانا، وهذا من اعتنائه تعالى به ولطفه، حيث يسره لليسرى في جميع أموره، وخوله نعما فاق بها الأولين والآخرين، وظاهر الآية أن الإسراء كان في أول الليل، وأنه من [ ص: 910 ] نفس المسجد الحرام، لكن ثبت في الصحيح أنه أسري به من بيت أم هانئ، فعلى هذا تكون الفضيلة في المسجد الحرام لسائر الحرم، فكله تضاعف فيه العبادة كتضاعفها في نفس المسجد، وأن الإسراء بروحه وجسده معا، وإلا لم يكن في ذلك آية كبرى ومنقبة عظيمة.

                                                                                                                                                                                                                                        وقد تكاثرت الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء، وذكر تفاصيل ما رأى وأنه أسري به إلى بيت المقدس، ثم عرج به من هناك إلى السماوات حتى وصل إلى ما فوق السماوات العلى، ورأى الجنة والنار، والأنبياء على مراتبهم، وفرض عليه الصلوات خمسين، ثم ما زال يراجع ربه بإشارة موسى الكليم حتى صارت خمسا بالفعل، وخمسين بالأجر والثواب، وحاز من المفاخر تلك الليلة هو وأمته ما لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                        وذكره هنا وفي مقام الإنزال للقرآن ومقام التحدي بصفة العبودية لأنه نال هذه المقامات الكبار بتكميله لعبودية ربه.

                                                                                                                                                                                                                                        وقوله: الذي باركنا حوله أي: بكثرة الأشجار والأنهار والخصب الدائم.

                                                                                                                                                                                                                                        ومن بركته تفضيله على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد المدينة، وأنه يطلب شد الرحل إليه للعبادة والصلاة فيه، وأن الله اختصه محلا لكثير من أنبيائه وأصفيائه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية