الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أذن ]

                                                          أذن : أذن بالشيء إذنا وأذنا وأذانة : علم . وفي التنزيل العزيز : فأذنوا بحرب من الله ورسوله ; أي كونوا على علم . وآذنه الأمر وآذنه به : أعلمه ، وقد قرئ : فآذنوا بحرب من الله معناه أي أعلموا كل من لم يترك الربا بأنه حرب من الله ورسوله . ويقال : قد آذنته بكذا وكذا ، أوذنه إيذانا وإذنا إذا أعلمته ، ومن قرأ فأذنوا أي فانصتوا . ويقال : أذنت لفلان في أمر كذا وكذا آذن له إذنا ، بكسر الهمزة وجزم الذال ، واستأذنت فلانا استئذانا . وأذنت : أكثرت الإعلام بالشيء . والأذان : الإعلام . وآذنتك بالشيء : أعلمتكه . وآذنته : أعلمته . قال الله عز وجل : فقل آذنتكم على سواء ; قال الشاعر :


                                                          آذنتنا ببينها أسماء

                                                          وأذن به إذنا : علم به . وحكى أبو عبيد عن الأصمعي : كونوا على إذنه أي على علم به . ويقال : أذن فلان يأذن به إذنا إذا علم . وقوله عز وجل : وأذان من الله ورسوله إلى الناس ; أي إعلام . والأذان : اسم يقوم مقام الإيذان ، وهو المصدر الحقيقي . وقوله عز وجل : وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم معناه وإذ علم ربكم ، وقوله عز وجل : وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ; معناه بعلم الله ، والإذن ههنا لا يكون إلا من الله ، لأن الله تعالى وتقدس لا يأمر بالفحشاء من السحر وما شاكله . ويقال : فعلت : كذا وكذا بإذنه أي فعلت بعلمه ، ويكون بإذنه بأمره . وقال قوم : الأذين المكان يأتيه الأذان من كل ناحية ; وأنشدوا :


                                                          طهور الحصى كانت أذينا ، ولم تكن     بها ريبة ، مما يخاف ، تريب

                                                          قال ابن بري : الأذين في البيت بمعنى المؤذن ، مثل عقيد بمعنى معقد ، قال : وأنشده أبو الجراح شاهدا على الأذين بمعنى الأذان ; قال ابن سيده : وبيت امرئ القيس :


                                                          وإني أذين ، إن رجعت مملكا     بسير ترى فيه الفرانق أزورا

                                                          أذين فيه : بمعنى مؤذن ، كما قالوا أليم ووجيع بمعنى مؤلم وموجع . والأذين : الكفيل . وروى أبو عبيدة بيت امرئ القيس هذا وقال : أذين أي زعيم . وفعله بإذني وأذني أي بعلمي . وأذن له في الشيء إذنا : أباحه له . واستأذنه : طلب منه الإذن . وأذن له عليه : أخذ له منه الإذن . يقال : ائذن لي على الأمير ; وقال الأغر بن عبد الله بن الحارث :


                                                          وإني إذا ضن الأمير بإذنه     على الإذن من نفسي ، إذا شئت قادر

                                                          وقول الشاعر :


                                                          قلت لبواب لديه دارها     تيذن ، فإني حمؤها وجارها

                                                          ، قال أبو جعفر : أراد لتأذن ، وجائز في الشعر حذف اللام وكسر التاء على لغة من يقول أنت تعلم وقرئ : فبذلك فلتفرحوا . والآذن : الحاجب ، وقال :


                                                          تبدل بآذنك المرتضى

                                                          وأذن له أذنا : استمع ; قال قعنب بن أم صاحب :


                                                          إن يسمعوا ريبة طاروا بها     فرحا مني ، وما سمعوا من صالح دفنوا
                                                          صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به     وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

                                                          ، قال ابن سيده : وأذن إليه أذنا استمع . وفي الحديث : ما أذن الله لشيء كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن ; قال أبو عبيد : يعني ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن أي يتلوه يجهر به . يقال : أذنت للشيء آذن له أذنا إذا استمعت له ; قال عدي :


                                                          أيها القلب تعلل بددن     إن همي في سماع وأذن

                                                          وقوله عز وجل : وأذنت لربها وحقت أي استمعت . وأذن إليه أذنا : استمع إليه معجبا ; وأنشد ابن بري لعمرو بن الأهيم :


                                                          فلما أن تسايرنا قليلا     أذن إلى الحديث ، فهن صور

                                                          ، وقال عدي :

                                                          [ ص: 79 ]

                                                          في سماع يأذن الشيخ له     وحديث مثل ماذي مشار

                                                          وآذنني الشيء : أعجبني فاستمعت له ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          فلا وأبيك خير منك ، إني     ليؤذنني التحمحم والصهيل

                                                          وأذن للهو : استمع ومال . والأذن والأذن ، يخفف ويثقل : من الحواس أنثى ، والذي حكاه سيبويه أذن ، بالضم ، والجمع آذان لا يكسر على غير ذلك ، وتصغيرها أذينة ، ولو سميت بها رجلا ثم صغرته قلت أذين ، فلم تؤنث لزوال التأنيث عنه بالنقل إلى المذكر ، فأما قولهم أذينة في الاسم العلم فإنما سمي به مصغرا . ورجل أذن وأذن : مستمع لما يقال له قابل له ; وصفوا به كما قال :


                                                          مئبرة العرقوب أشفى المرفق

                                                          فوصف به لأن في مئبرة وأشفى معنى الحدة . قال أبو علي : قال أبو زيد رجل أذن ورجال أذن ، فأذن للواحد والجمع في ذلك سواء إذا كان يسمع مقال كل أحد . قال ابن بري : ويقال رجل أذن وامرأة أذن ، ولا يثنى ولا يجمع ، قال : وإنما سموه باسم العضو تهويلا وتشنيعا كما قالوا للمرأة : ما أنت إلا بطين . وفي التنزيل العزيز : ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم أكثر القراء يقرءون قل أذن خير لكم ومعناه وتفسيره أن في المنافقين من كان يعيب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقول : إن بلغه عني شيء حلفت له وقبل مني لأنه أذن ، فأعلمه الله تعالى أنه أذن خير لا أذن شر . وقوله تعالى : أذن خير لكم ، أي مستمع خير لكم ، ثم بين ممن يقبل فقال تعالى : يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين أي يسمع ما أنزل الله عليه فيصدق به ويصدق المؤمنين فيما يخبرونه به . وقوله في حديث زيد بن أرقم : هذا الذي أوفى الله بأذنه أي أظهر صدقه في إخباره عما سمعت أذنه . ورجل أذاني وآذن : عظيم الأذنين طويلهما ، وكذلك هو من الإبل والغنم ، ونعجة أذناء وكبش آذن . وفي حديث أنس : أنه قال له يا ذا الأذنين ; قال ابن الأثير : قيل معناه الحض على حسن الاستماع والوعي لأن السمع بحاسة الأذن ، ومن خلق الله له أذنين فأغفل الاستماع ولم يحسن الوعي لم يعذر ، وقيل : إن هذا القول من جملة مزحه - صلى الله عليه وسلم - ولطيف أخلاقه كما قال للمرأة عن زوجها : أذاك الذي في عينه بياض ؟ وأذنه أذنا ، فهو مأذون : أصاب أذنه ، على ما يطرد في الأعضاء . وأذنه : كأذنه أي ضرب أذنه ومن كلامهم : لكل جابه جوزة ثم يؤذن ; الجابه : الوارد ، وقيل : هو الذي يرد الماء وليست عليه قامة ولا أداة ، والجوزة : السقية من الماء ، يعنون أن الوارد إذا وردهم فسألهم أن يسقوه ماء لأهله وماشيته سقوه سقية واحدة ، ثم ضربوا أذنه إعلاما أنه ليس عندهم أكثر من ذلك . وأذن : شكا أذنه ; وأذن القلب والسهم والنصل كله على التشبيه ، ولذلك قال بعض المحاجين : ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان ؟ يعني السهم . وقال أبو حنيفة : إذا ركبت القذذ على السهم فهي آذانه . وأذن كل شيء مقبضه ، كأذن الكوز والدلو على التشبيه ، وكله مؤنث . وأذن العرفج والثمام : ما يخد منه فيندر إذا أخوص ، وذلك لكونه على شكل الأذن . وآذان الكيزان : عراها ، واحدتها أذن . وأذينة : اسم رجل ، ليست محقرة على أذن في التسمية ، إذ لو كان كذلك لم تلحق الهاء ، وإنما سمي بها محقرة من العضو ، وقيل : أذينة اسم ملك من ملوك اليمن . وبنو أذن : بطن من هوازن . وأذن النعل : ما أطاف منها بالقبال . وأذنتها : جعلت لها أذنا . وأذنت الصبي : عركت أذنه . وأذن الحمار : نبت له ورق عرضه مثل الشبر ، وله أصل يؤكل أعظم من الجزرة مثل الساعد ، وفيه حلاوة ; عن أبي حنيفة . والأذان والأذين والتأذين : النداء إلى الصلاة ، وهو الإعلام بها وبوقتها . قال سيبويه : وقالوا أذنت وآذنت ، فمن العرب من يجعلهما بمعنى ، ومنهم من يقول أذنت للتصويت بإعلان ، وآذنت أعلمت . وقوله عز وجل : وأذن في الناس بالحج روي أن أذان إبراهيم - عليه السلام - بالحج أن وقف بالمقام فنادى : أيها الناس ، أجيبوا الله ، يا عباد الله ، أطيعوا الله ، يا عباد الله ، اتقوا الله ، فوقرت في قلب كل مؤمن ومؤمنة وأسمع ما بين السماء والأرض ، فأجابه من في الأصلاب ممن كتب له الحج ، فكل من حج فهو ممن أجاب إبراهيم - عليه السلام - . وروي أن أذانه بالحج كان : يا أيها الناس كتب عليكم الحج . والأذين : المؤذن ; قال الحصين بن بكير الربعي يصف حمار وحش :


                                                          شد على أمر الورود مئزره     سحقا ، وما نادى أذين المدره

                                                          السحق : الطرد . والمئذنة : موضع الأذان للصلاة . وقال اللحياني : هي المنارة ، يعني الصومعة . أبو زيد : يقال للمنارة المئذنة والمؤذنة ; قال الشاعر :


                                                          سمعت للأذان في المئذنه

                                                          وأذان الصلاة : معروف ، والأذين مثله ; قال الراجز :

                                                          حتى إذا نودي بالأذين

                                                          ، وقد أذن أذانا وأذن المؤذن تأذينا ; وقال جرير يهجو الأخطل :


                                                          إن الذي حرم الخلافة تغلبا     جعل الخلافة والنبوة فينا
                                                          مضر أبي وأبو الملوك ، فهل     لكم ، يا خزر تغلب ، من أب كأبينا ؟
                                                          هذا ابن عمي في دمشق خليفة     لو شئت ساقكم إلي قطينا
                                                          إن الفرزدق ، إذ تحنف كارها     أضحى لتغلب والصليب خدينا
                                                          ولقد جزعت على النصارى بعدما     لقي الصليب من العذاب معينا
                                                          هل تشهدون من المشاعر مشعرا     أو تسمعون من الأذان أذينا ؟

                                                          ويروى هذا البيت :


                                                          هل تملكون من المشاعر مشعرا [ ص: 80 ]     أو تشهدون مع الأذان أذينا ؟

                                                          ابن بري : والأذين ههنا بمعنى الأذان أيضا . قال : وقيل الأذين هنا المؤذن ، قال : والأذين أيضا المؤذن للصلاة ; وأنشد رجز الحصين بن بكير الربعي :


                                                          سحقا ، وما نادى أذين المدره

                                                          والأذان : اسم التأذين كالعذاب اسم التعذيب . قال ابن الأثير : وقد ورد في الحديث ذكر الأذان ، وهو الإعلام بالشيء ; يقال منه : آذن يؤذن إيذانا ، وأذن يؤذن تأذينا ، والمشدد مخصوص في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة . والأذان : الإقامة . ويقال : أذنت فلانا تأذينا أي رددته ، قال : وهذا حرف غريب ; قال ابن بري : شاهد الأذان قول الفرزدق :


                                                          وحتى علا في سور كل مدينة     مناد ينادي ، فوقها ، بأذان

                                                          وفي الحديث : أن قوما أكلوا من شجرة فحمدوا فقال - عليه السلام - : قرسوا الماء في الشنان وصبوه عليهم فيما بين الأذانين ; أراد بهما أذان الفجر والإقامة ; التقريس : التبريد ، والشنان : القرب الخلقان . وفي الحديث : بين كل أذانين صلاة ; يريد بها السنن الرواتب التي تصلى بين الأذان والإقامة قبل الفرض . وأذن الرجل : رده ولم يسقه ; أنشد ابن الأعرابي :


                                                          أذننا شرابث رأس الدبر

                                                          أي ردنا فلم يسقنا ; قال ابن سيده : وهذا هو المعروف ، وقيل : أذنه نقر أذنه ، وهو مذكور في موضعه . وتأذن ليفعلن أي أقسم . وتأذن أي اعلم كما تقول تعلم أي اعلم ; قال :


                                                          فقلت : تعلم أن للصيد غرة     وإلا تضيعها فإنك قاتله

                                                          وقوله عز وجل : وإذ تأذن ربك قيل : تأذن تألى ، وقيل : تأذن أعلم ; هذا قول الزجاج . الليث : تأذنت لأفعلن كذا وكذا يراد به إيجاب الفعل ، وقد آذن وتأذن بمعنى ، كما يقال : أيقن وتيقن . ويقال : تأذن الأمير في الناس إذا نادى فيهم ، يكون في التهديد والنهي ، أي تقدم وأعلم . والمؤذن : مثل الذاوي ، وهو العود الذي جف وفيه رطوبة . وآذن العشب إذا بدأ يجف ، فترى بعضه رطبا وبعضه قد جد ; قال الراعي :


                                                          وحاربت الهيف الشمال وآذنت     مذانب ، منها اللدن والمتصوح

                                                          التهذيب : والأذن التبن ، واحدته أذنة . وقال ابن شميل : يقال هذه بقلة تجد بها الإبل أذنة شديدة أي شهوة شديدة . والأذنة : خوصة الثمام ، يقال : أذن الثمام إذا خرجت أذنته . ابن شميل : أذنت لحديث فلان أي اشتهيته ، وأذنت لرائحة الطعام أي اشتهيته ، وهذا طعام لا أذنة له أي لا شهوة لريحه ، وأذن بإرسال إبله أي تكلم به ، وأذنوا عني أولها أي أرسلوا أولها ، وجاء فلان ناشرا أذنيه أي طامعا ، ووجدت فلانا لابسا أذنيه أي متغافلا . ابن سيده : وإذن جواب وجزاء . وتأويلها إن كان الأمر كما ذكرت أو كما جرى ، وقالوا : ذن لا أفعل ، فحذفوا همزة إذن ، وإذا وقفت على إذن أبدلت من نونه ألفا ، وإنما أبدلت الألف من نون إذن هذه في الوقف ومن نون التوكيد لأن حالهما في ذلك حال النون التي هي علم الصرف ، وإن كانت نون إذن أصلا وتانك النونان زائدتين ، فإن قلت : فإذا كانت النون في إذن أصلا ، وقد أبدلت منها الألف فهل تجيز في نحو حسن ورسن ونحو ذلك مما نونه أصل فيقال فيه حسا ورسا ؟ فالجواب : إن ذلك لا يجوز في غير إذن مما نونه أصل ، وإن كان ذلك قد جاء في إذن من قبل أن إذن حرف ، فالنون فيها بعض حرف ، فجاز ذلك في نون إذن لمضارعة إذن كلها نون التأكيد ونون الصرف ، وأما النون في حسن ورسن ونحوهما فهي أصل من اسم متمكن يجري عليه الإعراب ، فالنون في ذلك كالدال من زيد والراء من نكير ، ونون إذن ساكنة كما أن نون التأكيد ونون الصرف ساكنتان ، فهي لهذا ولما قدمناه من أن كل واحدة منهما حرف كما أن النون من إذن بعض حرف أشبه بنون الاسم المتمكن . الجوهري : إذن حرف مكافأة وجواب ، إن قدمتها على الفعل المستقبل نصبت بها لا غير ; وأنشد ابن بري هنا لسلمى بن عونة الضبي ، قال : وقيل هو لعبد الله بن غنمة الضبي :


                                                          اردد حمارك لا ينزع سويته     إذن يرد وقيد العير مكروب

                                                          ، قال الجوهري : إذا قال لك قائل الليلة أزورك ، قلت : إذن أكرمك ، وإن أخرتها ألغيت قلت : أكرمك إذن ، فإن كان الفعل الذي بعدها فعل الحال لم تعمل ، لأن الحال لا تعمل فيه العوامل الناصبة ، وإذا وقفت على إذن قلت إذا ، كما تقول زيدا ، وإن وسطتها وجعلت الفعل بعدها معتمدا على ما قبلها ألغيت أيضا ، كقولك : أنا إذن أكرمك لأنها في عوامل الأفعال مشبهة بالظن في عوامل الأسماء ، وإن أدخلت عليها حرف عطف كالواو والفاء فأنت بالخيار ، إن شئت ألغيت وإن شئت أعملت .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية