الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وذروا ظاهر الإثم وباطنه

                                                          الإثم هو ما يبطئ عن الخير، وأطلق على كل شر إثم، وعلى كل مخالفة لأمر الله تعالى إثم، وقد عد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الإثم يبتدئ من القلب؛ ولذا قال فيما رواه مسلم: "البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس".

                                                          وقد جاء ذلك النص السامي في هذا الموضع الذي يذكر فيه إباحة الذبائح التي ذكر فيها اسم الله للإشارة إلى أن الأساس في الذبائح وغيرها، هو ترك الآثام، فذكر اسم غير الله إثم ظاهر وهو شرك واجب تركه، وإن بجوار ترك الإثم الظاهر إثما باطنا، وهو ما يتعلق بالنفس من حقد وحسد، ورغبة في الشر، والدس، والنميمة، والغيبة، والهم بالشر، بحيث لا يكون التخلف عنه بقدرته، بل يكون بأمر خارج عن إرادته، والشرور قسمان: شرور ظاهرة كالقتل والزنى والقذف وشرب الخمر والسرقة، وقطع الطريق، والمجاهرة بالمعاصي، وشر خفي وهو أن تركس النفس في الآثام، فلا يكون في النفس، إلا عزم على الشر، أو إخفاء الضغن على الناس، وألا ينوي الخير، وأن يفعل الأمر الحسن مرائيا، وأن يزكي ويصلي مرائيا، وذلك هو الشرك الخفي، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من تصدق يرائي فقد أشرك".

                                                          [ ص: 2649 ] وقد حرم الله الإثم الظاهر والخفي في هذه الآية، فقال تعالى: وذروا ظاهر الإثم وباطنه أي اتركوا الإثم في ظاهره وباطنه، وعبر عن الإثم الخفي بباطنه; لأنه مستور في باطن النفس غير معلوم، والإثم واحد في الحالين، ظهر أو بطن، ولقد قال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينـزل به سلطانا وفي هذه الآية سمي الإثم فواحش; لأنه زيادة عن الفطرة زيادة فاحشة، فما من معصية إلا كان فيها خروج فاحش على الفطرة.

                                                          إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون هذا هو الجزاء الذي كتبه الله تعالى لمرتكبي الآثام ما ظهر منها وما بطن، والذين يكسبون الإثم، سواء أكانوا يكسبونه بجوارحهم الظاهرة، أم يكنونه في نفوسهم مع اعتزاله، والحرص عليه، سيجزون بما كانوا يقترفون و: (السين) هنا لتأكيد الوقوع في المستقبل، وعبر سبحانه وتعالى بالموصول للإشارة إلى أن الصلة سبب الجزاء، وأن الجزاء يعم كل من يفعل، وكسب الإثم ارتكابه بقصد وإصرار عليه، وإغلاق باب التوبة، والكسب يجعله يسكن في النفس حتى يصير لونا من ألوانها، أو تعزيزه والملكة فيها، فلا يقال إنه كسب السوء، من يفعله مرة أو مرتين عن جهالة ثم يتوب من قريب.

                                                          وقال تعالى في الجزاء: سيجزون بما كانوا يقترفون والاقتراف الكسب، ويطلق كثيرا على الكسب الآثم، وقد يطلق في قلة على كسب الخير، كما في قوله تعالى: ومن يقترف حسنة نـزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية