الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ولكل درجات مما عملوا

                                                          ولكل من المكلفين درجات في القيام بما كلفوه من أعمال، فمنهم من يحسن، ويبلغ أقصى درجات التقوى فيكون له في الجنة على مقدار ما فعل، ومنهم من يفعل دون ذلك فيغفر الله تعالى ما شاء أن يغفر، ورحمته سبحانه وتعالى قد سبقت غضبه وعذابه، فيعطي بمقدار ما عمل، وكذلك العصاة درجات، فمن أطاع الكبراء له عذاب يناسب طاعتهم، أي: أن الطاعة لها مراتب، والعصيان له دركات، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، كما قال تعالى: أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون

                                                          ويكون المعنى على الدرجات في الخير والشر، وأهل الخير درجات، وأهل الشر دركات متفاوتة، على مقدار شرهم وإن كانوا جميعا منغمرين فيه، كما قال تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون

                                                          وقد ذكر بعض المفسرين أن هذه الدرجات في العذاب فقط؛ لأن الآيات في تهديد الكافرين وإنذارهم لا في جزاء المؤمنين ودرجاتهم.

                                                          وعندي أن الآية فيها تبشير للمؤمنين، وأنهم درجات، وإنذار للكافرين وأنهم في دركات جهنم طبقات، والآية الكريمة تفيد أن الدرجات مما عملوا أي: [ ص: 2678 ] مأخوذة من أعمالهم، فإن كانت خيرا فخير، وإن كانت شرا فشر، فهي مشتقة منها ومن جنسها.

                                                          وما ربك بغافل عما يعملون

                                                          إن هذه الأعمال يعلمها الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فهو جزاء لما يعملون، جزاء من يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء؛ ولذا قال تعالت كلماته: وما ربك بغافل عما يعملون عبر سبحانه وتعالى بنفي الغفلة عنه -سبحانه وتعالى- نفيا مؤكدا، بمؤكدات ثلاثة أولها: التعبير بالجملة الاسمية، وثانيها: دخول (الباء) التي تدل على استغراق النفي. ثالثها - التعبير بـ: (ربك) ; لأن الرب هو الذي رب النفوس والأخلاق فهو أعلم الوجود بها، وأخبرهم بأحوالها، فجزاؤه جزاء من يضع العقاب في موضعه، والثواب في مكانه.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية