الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ أرب ]

                                                          أرب : الإربة والإرب : الحاجة . وفيه لغات : إرب وإربة وأرب ومأربة ومأربة . وفي حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أملككم لإربه أي لحاجته ، تعني أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أغلبكم لهواه وحاجته أي كان يملك نفسه وهواه . وقال السلمي : الإرب الفرج ههنا . قال : وهو غير معروف . قال ابن الأثير : أكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة ، وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء ، وله تأويلان : أحدهما أنه الحاجة ، والثاني أرادت به العضو ، وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة . وقوله في حديث المخنث : كانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، أي النكاح . والإربة والأرب والمأرب كله كالإرب . وتقول العرب في المثل : مأربة لا حفاوة ، أي إنما بك حاجة لا تحفيا بي . وهي الآراب والإرب . والمأربة والمأربة مثله ، وجمعهما مآرب . قال الله تعالى : ولي فيها مآرب أخرى . وقال تعالى : غير أولي الإربة من الرجال . وأرب إليه يأرب أربا : احتاج . وفي حديث عمر - رضي الله تعالى عنه - أنه نقم على رجل قولا قاله ، فقال له : أربت عن ذي يديك معناه ذهب ما في يديك حتى تحتاج . وقال في التهذيب : أربت من ذي يديك ، وعن ذي يديك . وقال شمر : سمعت ابن الأعرابي يقول : أربت في ذي يديك ، معناه ذهب ما في يديك حتى تحتاج . وقال أبو عبيد في قوله أربت عن ذي يديك : أي سقطت آرابك من اليدين خاصة . وقيل : سقطت من يديك . قال ابن الأثير : وقد جاء في رواية أخرى لهذا الحديث : خررت عن يديك ، وهي عبارة عن الخجل مشهورة ، كأنه أراد أصابك خجل أو ذم . ومعنى خررت سقطت . وقد أرب الرجل ، إذا احتاج إلى الشيء وطلبه ، يأرب أربا . قال ابن مقبل :


                                                          وإن فينا صبوحا ، إن أربت به جمعا بهيا ، وآلافا ثمانينا

                                                          جمع ألف أي ثمانين ألفا . أربت به أي احتجت إليه وأردته . وأرب الدهر : اشتد . قال أبو داود الإيادي يصف فرسا :


                                                          أرب الدهر ، فأعددت له     مشرف الحارك ، محبوك الكتد

                                                          ، قال ابن بري : والحارك فرع الكاهل ، والكاهل ما بين الكتفين ، والكتد ما بين الكاهل والظهر ، والمحبوك المحكم الخلق من حبكت الثوب إذا أحكمت نسجه . وفي التهذيب : في تفسير هذا البيت : أي أراد ذلك منا وطلبه ; وقولهم أرب الدهر : كأن له أربا يطلبه عندنا فيلح لذلك ، عن ابن الأعرابي : ، وقوله أنشده ثعلب :


                                                          ألم تر عصم رءوس الشظى     إذا جاء قانصها تجلب
                                                          إليه ، وما ذاك عن إربة     يكون بها قانص يأرب

                                                          وضع الباء في موضع إلى . وقوله تعالى : غير أولي الإربة من الرجال ; قال سعيد بن جبير : هو المعتوه . والإرب والإربة والأربة والأرب : الدهاء والبصر بالأمور ، وهو من العقل . أرب أرابة فهو أريب من قوم أرباء . يقال : هو ذو إرب ، وما كان الرجل أريبا ، ولقد أرب أرابة . وأرب بالشيء . درب به وصار فيه ماهرا بصيرا ، فهو أرب . قال أبو عبيد : ومنه الأريب أي ذو دهي وبصر . قال قيس بن الخطيم :


                                                          أربت بدفع الحرب لما رأيتها     على الدفع ، لا تزداد غير تقارب

                                                          أي كانت له إربة أي حاجة في دفع الحرب . وأرب الرجل يأرب إربا ، [ ص: 82 ] مثال صغر يصغر صغرا ، وأرابة أيضا ، بالفتح ، إذا صار ذا دهي . وقال أبو العيال الهذلي يرثي عبيد بن زهرة ، وفي التهذيب : يمدح رجلا :


                                                          يلف طوائف الأعدا     ء ، وهو بلفهم أرب

                                                          ابن شميل : أرب في ذلك الأمر أي بلغ فيه جهده وطاقته وفطن له . وقد تأرب في أمره . والأربى بضم الهمزة : الداهية . قال ابن أحمر :


                                                          فلما غسى ليلي ، وأيقنت أنها     هي الأربى ، جاءت بأم حبوكرى

                                                          والمؤاربة : المداهاة . وفلان يؤارب صاحبه إذا داهاه . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحيات فقال : من خشي خبثهن وشرهن وإربهن ، فليس منا . أصل الإرب ، بكسر الهمزة وسكون الراء : الدهاء والمنكر ; والمعنى من توقى قتلهن خشية شرهن فليس منا أي من سنتنا . قال ابن الأثير : أي من خشي غائلتها وجبن عن قتلها ، للذي قيل في الجاهلية إنها تؤذي قاتلها ، أو تصيبه بخبل ، فقد فارق سنتنا وخالف ما نحن عليه . وفي حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، قال : فأربت بأبي هريرة فلم تضررني إربة أربتها قط ، قبل يومئذ . قال : أربت به أي احتلت عليه ، وهو من الإرب الدهاء والنكر . والإرب : العقل والدين ، عن ثعلب . والأريب : العاقل . ورجل أريب من قوم أرباء . وقد أرب يأرب أحسن الإرب في العقل . وفي الحديث : مؤاربة الأريب جهل وعناء ، أي إن الأريب ، وهو العاقل ، لا يختل عن عقله . وأرب أربا في الحاجة ، وأرب الرجل أربا : أيس . وأرب بالشيء : ضن به وشح . والتأريب : الشح والحرص . وأربت بالشيء أي كلفت به ، وأنشد لابن الرقاع :


                                                          وما لامرئ أرب بالحيا     ة ، عنها محيص ولا مصرف

                                                          أي كلف . وقال في قول الشاعر :


                                                          ولقد أربت على الهموم بجسرة     عيرانة بالردف غير لجون

                                                          أي علقتها ولزمتها واستعنت بها على الهموم . والإرب : العضو الموفر الكامل الذي لم ينقص منه شيء ، ويقال لكل عضو إرب . يقال : قطعته إربا إربا أي عضوا عضوا . وعضو مؤرب أي موفر . وفي الحديث : أنه أتي بكتف مؤربة ، فأكلها ، وصلى ، ولم يتوضأ . المؤربة : هي الموفرة التي لم ينقص منها شيء . ، وقد أربته تأريبا إذا وفرته ، مأخوذ من الإرب ، وهو العضو ، والجمع آراب يقال : السجود على سبعة آراب ; وأرآب أيضا . وأرب الرجل إذا سجد على آرابه متمكنا . وفي حديث الصلاة : كان يسجد على سبعة آراب أي أعضاء ، واحدها إرب ، بالكسر والسكون . قال : والمراد بالسبعة الجبهة واليدان والركبتان والقدمان . والآراب : قطع اللحم . وأرب الرجل : قطع إربه . وأرب عضوه أي سقط . وأرب الرجل : تساقطت أعضاؤه . وفي حديث جندب : خرج برجل أراب ، قيل هي القرحة ، وكأنها من آفات الآراب أي الأعضاء ، وقد غلب في اليد . فأما قولهم في الدعاء : ما له أربت يده ، فقيل قطعت يده ، وقيل افتقر فاحتاج إلى ما في أيدي الناس . ويقال : أربت من يديك أي سقطت آرابك من اليدين خاصة . وجاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : دلني على عمل يدخلني الجنة . فقال : أرب ما له ؟ معناه : أنه ذو أرب وخبرة وعلم . أرب الرجل ، بالضم ، فهو أريب ، أي صار ذا فطنة . وفي خبر ابن مسعود - رضي الله عنه - : : أن رجلا اعترض النبي - صلى الله عليه وسلم - ليسأله ، فصاح به الناس ، فقال عليه السلام : دعوا الرجل أرب ما له ؟ قال ابن الأعرابي : احتاج فسأل ما له . وقال القتبي في قوله أرب ما له : أي سقطت أعضاؤه وأصيبت ، قال : وهي كلمة تقولها العرب لا يراد بها إذا قيلت وقوع الأمر كما يقال عقرى حلقى ; وقولهم تربت يداه . قال ابن الأثير : في هذه اللفظة ثلاث روايات : إحداها أرب بوزن علم ، ومعناه الدعاء عليه أي أصيبت آرابه وسقطت ، وهي كلمة لا يراد بها وقوع الأمر كما يقال تربت يداك وقاتلك الله ، وإنما تذكر في معنى التعجب . قال : وفي هذا الدعاء من النبي - صلى الله عليه وسلم - قولان : أحدهما تعجبه من حرص السائل ومزاحمته ، والثاني أنه لما رآه بهذه الحال من الحرص غلبه طبع البشرية ، فدعا عليه . وقد قال في غير هذا الحديث : اللهم إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي له رحمة . وقيل : معناه احتاج فسأل ، من أرب الرجل يأرب إذا احتاج ، ثم قال ما له أي أي شيء به ، وما يريد . قال : والرواية الثانية أرب ما له ، بوزن جمل أي حاجة له وما زائدة للتقليل ، أي له حاجة يسيرة . وقيل : معناه حاجة جاءت به فحذف ، ثم سأل فقال ما له . قال : والرواية الثالثة أرب بوزن كتف ، والأرب : الحاذق الكامل أي هو أرب ، فحذف المبتدأ ، ثم سأل فقال ما له أي ما شأنه . وروى المغيرة بن عبد الله عن أبيه : أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنى ، فدنا منه فنحي ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : دعوه فأرب ما له . قال : فدنوت . ومعناه : فحاجة ما له ، فدعوه يسأل . قال أبو منصور : وما صلة . قال : ويجوز أن يكون أراد فأرب من الآراب جاء به ، فدعوه . وأرب العضو : قطعه موفرا . يقال : أعطاه عضوا مؤربا أي تاما لم يكسر . وتأريب الشيء : توفيره ، وقيل : كل ما وفر فقد أرب ، وكل موفر مؤرب . والأربية : أصل الفخذ ، تكون فعلية وتكون أفعولة ، وهي مذكورة في بابها . والأربة ، بالضم : العقدة التي لا تنحل حتى تحل حلا . وقال ثعلب : الأربة : العقدة ، ولم يخص بها التي لا تنحل . قال الشاعر :


                                                          هل لك يا خدلة في صعب الربه     معترم هامته كالحبحبه

                                                          ، قال أبو منصور : قولهم الربة العقدة ، وأظن الأصل كان الأربة ، فحذفت الهمزة ، وقيل ربة . وأربها : عقدها وشدها . وتأريبها : إحكامها . يقال : أرب عقدتك . أنشد ثعلب لكناز بن نفيع يقوله لجرير :


                                                          غضبت علينا أن علاك ابن غالب     فهلا على جديك في ذاك تغضب
                                                          هما حين يسعى المرء مسعاة جده [ ص: 83 ]     أناخا فشداك العقال المؤرب

                                                          واستأرب الوتر : اشتد . وقول أبي زبيد :


                                                          على قتيل من الأعداء قد أربوا     أني لهم واحد نائي الأناصير

                                                          ، قال : أربوا : وثقوا أني لهم واحد . وأناصيري ناءون عني ، جمع الأنصار . ويروى : وقد علموا . وكأن أربوا من الأريب ، أي من تأريب العقدة ، أي من الأرب . وقال أبو الهيثم : أي أعجبهم ذاك ، فصار كأنه حاجة لهم في أن أبقى مغتربا نائيا عن أنصاري . والمستأرب : الذي قد أحاط الدين أو غيره من النوائب بآرابه من كل ناحية . ورجل مستأرب - بفتح الراء - أي مديون ، كأن الدين أخذ بآرابه . قال :


                                                          وناهزوا البيع من ترعية رهق     مستأرب عضه السلطان ، مديون

                                                          وفي نسخة : مستأرب ، بكسر الراء . قال : هكذا أنشده محمد بن أحمد المفجع : أي أخذه الدين من كل ناحية . والمناهزة في البيع : انتهاز الفرصة . وناهزوا البيع أي بادروه . والرهق : الذي به خفة وحدة . وقيل : الرهق : السفه ، وهو بمعنى السفيه . وعضه السلطان أي أرهقه وأعجله وضيق عليه الأمر . والترعية : الذي يجيد رعية الإبل . وفلان ترعية مال أي إزاء مال حسن القيام به . وأورد الجوهري عجز هذا البيت مرفوعا . قال ابن بري : هو مخفوض ، وذكر البيت بكماله . وقول ابن مقبل في الأربة :


                                                          لا يفرحون إذا ما فاز فائزهم     ولا يرد عليهم أربة اليسر

                                                          ، قال أبو عمرو : أراد إحكام الخطر من تأريب العقدة . والتأريب : تمام النصيب . قال أبو عمرو : اليسر ههنا المخاطرة . وأنشد لابن مقبل :


                                                          بيض مهاضيم ، ينسيهم معاطفهم     ضرب القداح وتأريب على الخطر

                                                          وهذا البيت أورد الجوهري عجزه وأورد ابن بري صدره :


                                                          شم مخاميص ينسيهم مراديهم

                                                          ، وقال : قوله شم ، يريد شم الأنوف ، وذلك مما يمدح به . والمخاميص : يريد به خمص البطون لأن كثرة الأكل وعظم البطن معيب . والمرادي : الأردية ، واحدتها مرداة . وقال أبو عبيد : التأريب : الشح والحرص . قال : والمشهور في الرواية : وتأريب على اليسر ، عوضا من الخطر ، وهو أحد أيسار الجزور ، وهي الأنصباء . والتأرب : التشدد في الشيء ، وتأرب في حاجته : تشدد . وتأربت في حاجتي : تشددت . وتأرب علينا : تأبى وتعسر وتشدد . والتأريب : التحريش والتفطين . قال أبو منصور : هذا تصحيف والصواب التأريث بالثاء . وفي الحديث : قالت قريش لا تعجلوا في الفداء ، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه ، أي يتشددون عليكم فيه . يقال : أرب الدهر يأرب إذا اشتد . وتأرب علي إذا تعدى . وكأنه من الأربة العقدة . وفي حديث سعيد بن العاص - رضي الله عنه - قال لابنه عمرو : لا تتأرب على بناتي أي لا تتشدد ولا تتعد . والأربة : أخية الدابة . والأربة : حلقة الأخية توارى في الأرض ، وجمعها أرب . قال الطرماح :


                                                          ولا أثر الدوار ولا المآلي     ولكن قد ترى أرب الحصون

                                                          والأربة : قلادة الكلب التي يقاد بها ، وكذلك الدابة في لغة طيئ . أبو عبيد : آربت على القوم ، مثال أفعلت ، إذا فزت عليهم وفلجت . وآرب على القوم : فاز عليهم وفلج . قال لبيد :


                                                          قضيت لبانات ، وسليت حاجة     ونفس الفتى رهن بقمرة مؤرب

                                                          أي نفس الفتى رهن بقمرة غالب يسلبها . وأرب عليه : قوي . قال أوس بن حجر :


                                                          ولقد أربت على الهموم بجسرة     عيرانة بالردف غير لجون

                                                          اللجون : مثل الحرون . والأربان : لغة في العربان . قال أبو علي : هو فعلان من الإرب . والأربون : لغة في العربون . وإراب : موضع أو جبل معروف . وقيل : هو ماء لبني رياح بن يربوع . ومأرب : موضع ، ومنه ملح مأرب .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية