الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 429 ] ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة وقد تولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الخلافة وولى على الأمصار نوابا ; فولى عبيد الله بن عباس على اليمن ، وولى عثمان بن حنيف على البصرة ، وعمارة بن شهاب على الكوفة ، وقيس بن سعد بن عبادة ، على مصر ، وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية ، فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية ، فقالوا : من أنت ؟ قال : أمير . قالوا : على أي شيء ؟ قال : على الشام . فقالوا : إن كان عثمان بعثك فحيهلا بك ، وإن كان غيره بعثك فارجع . فقال : أوما سمعتم الذي كان ؟ قالوا : بلى . فرجع إلى علي . وأما قيس بن سعد فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور ، وقالت طائفة : لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان . وكذلك أهل البصرة . وأما عمارة بن شهاب المبعوث أميرا على الكوفة فصده عنها طليحة بن خويلد غضبا لعثمان ، فرجع إلى علي فأخبره ، وانتشرت الفتنة وتفاقم الأمر ، واختلفت الكلمة ، وكتب أبو موسى إلى علي بطاعة أهل الكوفة ومبايعتهم إلا القليل منهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبعث علي إلى معاوية كتبا كثيرة فلم يرد عليه لها جوابا ، وتكرر ذلك مرارا إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان في صفر ، ثم بعث معاوية [ ص: 430 ] طومارا مع رجل ، فدخل به على علي فقال له علي : ما وراءك ؟ قال : جئتك من عند قوم لا يريدون إلا القود ، كلهم موتور ، تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان ، وهو على منبر دمشق ، فقال علي : اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان . ثم خرج رسول معاوية من بين يدي علي ، فهم به أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان يريدون قتله ، فما أفلت إلا بعد جهد . وعزم علي ، رضي الله عنه ، على قتال أهل الشام وكتب إلى قيس بن سعد بمصر يستنفر الناس لقتالهم ، وإلى أبي موسى بالكوفة ، وبعث إلى عثمان بن حنيف بذلك ، وخطب الناس فحثهم على ذلك ، وعزم على التجهز ، وخرج من المدينة ، واستخلف عليها قثم بن العباس ، وهو عازم أن يقاتل بمن أطاعه من عصاه وخرج عن أمره ولم يبايعه مع الناس . وجاء إليه ابنه الحسن بن علي فقال : يا أبه دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ، ووقوع الاختلاف بينهم . فلم يقبل منه ذلك ، بل صمم على القتال ، ورتب الجيش فدفع اللواء إلى محمد بن الحنفية ، وجعل ابن العباس على الميمنة ، وعمر بن أبي سلمة على الميسرة ، وقيل : جعل على الميسرة عمرو [ ص: 431 ] بن سفيان بن عبد الأسد . وجعل على مقدمته أبا ليلى بن عمر بن الجراح ، ابن أخي أبي عبيدة ، واستخلف على المدينة قثم بن العباس ، ولم يبق شيء إلا أن يخرج من المدينة قاصدا الشام ، حتى جاءه من شغله عن ذلك كله وهو ما سنذكره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية