الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        [ ص: 280 ] [ ص: 281 ] المقصد الرابع

                        في الأوامر والنواهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والإجمال والتبيين والظاهر والمؤول والمنطوق والمفهوم والناسخ والمنسوخ

                        وسنجعل لكل ( واحد من ) هذه بابا مستقلا إن شاء الله .

                        ففي الأوامر والنواهي بابان :

                        الباب الأول : في مباحث الأمر

                        الباب الثاني : في مباحث النهي

                        [ ص: 282 ] [ ص: 283 ] الباب الأول : في مباحث الأمر

                        وهي أحد عشر فصلا

                        [ ص: 284 ] [ ص: 285 ] الفصل الأول : في حقيقة لفظ الأمر

                        قال في المحصول : اتفقوا على أن لفظ الأمر حقيقة في القول المخصوص ، واختلفوا في كونه حقيقة في غيره ، فزعم بعض الفقهاء أنه حقيقة في الفعل أيضا ، والجمهور على أنه مجاز فيه ، وزعم أبو الحسين أنه مشترك بين القول المخصوص ، وبين الشيء ، وبين الصفة ، وبين الشأن والطريق ، والمختار أنه حقيقة في القول المخصوص فقط ، أجمعنا على أنه حقيقة في القول المخصوص ، فوجب أن لا يكون حقيقة في غيره ، دفعا للاشتراك . انتهى .

                        ويجاب عنه : بأن مجرد الإجماع على كون أحد المعاني حقيقة لا ينفي حقيقة ما عداه ، فالأولى أن يقال : أن الذي سبق إلى الفهم من لفظ ألف ، ميم ، راء ، عند الإطلاق هو القول المخصوص ، والسبق إلى الفهم دليل الحقيقة ، والأصل عدم الاشتراك ، ولو كان مشتركا لتبادر إلى الفهم جميع ما هو مشترك فيه ، ولو كان متواطئا لم يفهم منه القول المخصوص على انفراده .

                        واستدل أيضا على أنه حقيقة في القول المخصوص ، بأنه لو كان حقيقة في الفعل لاطرد وكان يسمى الأكل أمرا والشرب أمرا ، ولكان يشتق للفاعل اسم الأمر ، وليس كذلك ; لأن من قام ، أو قعد لا يسمى آمرا .

                        وأيضا الأمر له لوازم ، ولم يوجد منها شيء في الفعل ، فوجب أن لا يكون الأمر حقيقة في الفعل .

                        وأيضا يصح نفي الأمر عن الفعل ، فيقال : ما أمر به ، ولكن فعله .

                        وأجيب : بمنع كون من شأن الحقيقة الاطراد وبمنع لزوم الاشتقاق في كل الحقائق ، وبمنع عدم وجود شيء من اللوازم في الفعل ، وبمنع تجويزهم لنفيه مطلقا .

                        واستدل القائلون بأنه حقيقة في الفعل بوجهين :

                        الأول : أن أهل اللغة يستعملون لفظ الأمر في الفعل ، وظاهر الاستعمال الحقيقة ، [ ص: 286 ] ومن ذلك قوله سبحانه حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور والمراد منه هنا العجائب التي أظهرها الله عز وجل ، وقوله أتعجبين من أمر الله أي من فعله ، وقوله وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر وقوله تجري في البحر بأمره وقوله مسخرات بأمره ومن ذلك قول الشاعر :


                        لأمر ما يسود من يسود

                        وقول العرب في أمثالها المضروبة : لأمر ما جدع قصير أنفه ، والأصل في الإطلاق الحقيقة .

                        الوجه الثاني : أنه قد خولف بين جمع الأمر بمعنى القول وبين جمعه بمعنى الفعل ، فقيل في الأول : أوامر ، وفي الثاني : أمور ، والاشتقاق علامة الحقيقة .

                        وأجيب عن الأول : بأنا لا نسلم استعمال اللفظ في الفعل من حيث أنه فعل ، أما قوله حتى إذا جاء أمرنا فلا مانع من أن يراد منه القول ، أو الشأن ، وإنما يطلق اسم الأمر على الفعل ، لعموم كونه شأنا ، لا لخصوص كونه فعلا . وكذا الجواب عن الآية الثانية .

                        وأما قوله سبحانه وما أمر فرعون برشيد فلم لا يجوز أن يكون المراد هو القول ، بل الأظهر ذلك ، لما تقدم من قوله فاتبعوا أمر فرعون أي أطاعوه فيما أمرهم به .

                        سلمنا أنه ليس المراد القول ، فلم لا يجوز أن يكون المراد شأنه وطريقته ، وأما قوله وما أمرنا إلا واحدة فلم لا يجوز إجراؤه على الظاهر ، ويكون معناه أن من شأنه سبحانه أنه إذا أراد شيئا وقع كلمح بالبصر .

                        [ ص: 287 ] وأما قوله : تجري في البحر بأمره وقوله : مسخرات بأمره ، فلا يجوز حمل الأمر فيهما على الفعل ; لأن الجري والتسخير إنما حصل بقدرته لا بفعله ، فوجب حمله على الشأن والطريق ، وهكذا قول الشاعر المذكور والمثل المشهور .

                        وأما قولهم : أن الأصل الحقيقة فمعارض بأن الأصل عدم الاشتراك .

                        وأجيب عن الوجه الثاني : بأنه يجوز أن يكون الأمور جمع الأمر بمعنى الشأن لا بمعنى الفعل ، سلمنا ، لكن لا نسلم أن الجمع من علامات الحقيقة .

                        واستدل أبو الحسين بقوله : بأن من قال هذا أمر لم يدر السامع أي هذه الأمور أراد ، فإذا قال هذا أمر بالفعل ، أو أمر فلان مستقيم ، أو تحرك هذا الجسم لأمر ، وجاء زيد لأمر ، عقل السامع من الأول القول ، ومن الثاني الشأن ، ومن الثالث أن الجسم تحرك بشيء ، ومن الرابع أن زيدا جاء لغرض من الأغراض ، وتوقف الذهن عند السماع يدل على أنه متردد بين الكل .

                        وأجيب : بأن هذا التردد ممنوع ، بل لا يفهم ما عدا القول إلا بقرينة مانعة من حمل اللفظ عليه ، كما إذا استعمل في موضع لا يليق بالقول .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية