الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 5 ) باب تغطية الأواني

الفصل الأول

4294 - عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم ، فإن الشيطان ينتشر حينئذ ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم وأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا ، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم ، واذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليه شيئا ، وأطفئوا مصابيحكم . متفق عليه .

التالي السابق


( 5 ) باب تغطية الأواني

وفي نسخة صحيحة زيادة " وغيرها " ، فالضمير راجع إلى التغطية ، اللهم إلا أن يخص الأواني بأوعية الماء على ما ذكره بعض الشراح من أن الأواني جمع كثرة للإناء وهو وعاء الماء والآنية جمع قلة ، وفي القاموس : الإناء معروف ، والمراد ستر الظروف كلها ، وعدم تكشفها لا سيما في الليل ; فإنه وقت انتشار الهوام .

الفصل الأول

4294 - ( عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إذا كان جنح الليل ) : بكسر الجيم على المشهور ، وقيل : بضمها وجنح الليل بفتح النون أقبل حتى تغيب الشمس ، كذا في سلاح المؤمن ، وفي القاموس : الجنح بالكسر من الليل الطائفة ويضم ، وقال بعض شراح المصابيح ، وتبعه الطيبي : جنح الليل بالفتح والكسر طائفة منه ، وأراد به هنا الطائفة الأولى ، وقيل : ظلمته وظلامه ، وقيل : أوله وهو المراد هنا ، بقوله : ( أو أمسيتم ) : شك من الراوي ( فكفوا صبيانكم ) : بضم الكاف وتشديد الفاء أي امنعوهم عن التردد والخروج من البيوت في ذلك الوقت ( فإن الشيطان ) : أي الجن ( ينتشر ) : والمراد به الجنس ، وفي رواية الحصن : " فإن الشياطين تنتشر " أي تفترق وتنبث وتختطف ( حينئذ ، فإذا ذهب ساعة ) : قال ميرك : وقع عند أكثر رواة البخاري " ذهبت " ، وعند الكشميهني " ذهب " ، وكأنه ذكره باعتبار الوقت ، أو لأن تأنيث الساعة غير حقيقي . ( من الليل ) : وفي رواية : " من العشاء " ( فخلوهم ) : أي اتركوا صبيانكم ( وأغلقوا الأبواب ) : بفتح الهمزة من الإغلاق . ففي القاموس : غلق الباب يغلقه لثغة أو لغة رديئة في أغلقه .

( واذكروا اسم الله ) : أي حين الإغلاق ( فإن الشيطان ) : أي جنسه ( لا يفتح بابا مغلقا ) : أي بابا أغلق مع ذكر الله عليه ، يوضحه الحديث الأول من الفصل الثاني في قوله : " فإن الشيطان لا يفتح بابا إذا أجيف وذكر اسم الله عليه " ، كذا ذكره الطيبي ، والمعنى أنه لا يقدر على فتحه لأنه غير مأذون فيه ، بخلاف ما إذا كان مفتوحا أو مغلقا ، لكن لم يذكر اسم الله عليه .

قال ابن الملك : عن بعض الفضلاء أن المراد بالشيطان شيطان الإنس ; لأن غلق الأبواب لا يمنع شياطين الجن ، وفيه نظر لأن المراد بالغلق الغلق المذكور فيه اسم الله تعالى ، فيجوز أن يكون دخولهم من جميع الجهات ممنوعا ببركة التسمية ، وإنما خص الباب بالذكر لسهولة الدخول منه ، فإذا منع منه كان المنع من الأصعب بالأولى ، ثم رأيت في الجامع الصغير برواية أحمد عن أبي أمامة مرفوعا : " أجيفوا أبوابكم وأكفوا آنيتكم وأوكوا أسقيتكم وأطفئوا سرجكم ; فإنهم لم يؤذن لهم بالتسور عليكم " ( وأوكوا ) : بفتح الهمزة وضم الكاف أي شدوا واربطوا [ ص: 2759 ] ( قربكم ) : جمع قربة أي رءوسها وأفواهها بالوكاء ، وهو الحبل ؟ لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء ، وأما ما ضبطه ابن حجر من كسر الكاف بعدها همزة فمخالف للأصول المعتمدة ، بل ولكتب اللغة أيضا فهو مناف للرواية والدراية ( واذكروا اسم الله ) : أي وفق الإيكاء وربط السقاء بالوكاء ( وخمروا ) : بفتح معجمة وتشديد ميم أي غطوا ( آنيتكم واذكروا اسم الله ، ولو أن ترضوا ) : بضم الراء أفصح من كسرها ( عليه ) : أي على الإناء المفهوم من الآنية ( شيئا ) : والمعنى : ولو أن تضعوا على رأس الإناء شيئا بالعرض من خشب ونحوه ، و " أن " مع مدخولها في تأويل المصدر منصوب المحل ، والتقدير ولو كان تخميركم عرضا ، ولعل السر في الاكتفاء بوضع العود عرضا أن تعاطي التغطية ، إذ الغرض أن تقترن التغطية بالتسمية فيكون المرض علامة على التسمية فيمتنع الشيطان من الدنو منه .

قال الطيبي رحمه الله : والمذكور بعد " لو " فاعل فعل مقدر ، أي ولو ثبت أن تعرضوا عليه شيئا وجواب " لو " محذوف ، أي ولو خمرتموها عرضا بشيء نحو العود وغيره ، وذكرتم اسم الله عليه لكان كافيا ، والمقصود هو ذكر اسم الله تعالى مع كل فعل صيانة عن الشيطان والوباء والحشرات أو الهوام على ما ورد باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ( وأطفئوا ) : بهمزة قطع وكسر فاء فهمزة مضمومة ( مصابيحكم ) : جمع مصباح وهو السراج وفي معناه الشمع المسروج ( متفق عليه ) . ورواه أحمد والأربعة ، وأغرب الجزري في الحصن ، وأتى بصيغة الجمع إلى قوله : ( فخلوهم ) ، ثم أفرد الخطاب بقوله : ( وأغلق بابك . . إلخ ) ، والله أعلم .



4295 - وفي رواية البخاري ، قال : " خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا الأبواب ، واكفتوا صبيانكم عند المساء ، فإن للجن انتشارا وخطفة ، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ; فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت " .



4295 - ( وفي رواية للبخاري قال : " خمروا الآنية ، وأوكوا الأسقية ، وأجيفوا ) : بفتح الهمزة وكسر الجيم وضم الفاء أي ردوا ( الأبواب ، واكفتوا ) : بهمز وصل وكسر فاء وضم فوقية أي ضموا ( صبيانكم ) : إلى أنفسكم وامنعوهم من الانتشار ( عند المساء ) : أي من أوله ( فإن للجن انتشارا ) : أي كثيرا حينئذ ( وخطفة ) : بفتح فسكون أي سلبا سريعا أيضا ( وأطفئوا المصابيح عند الرقاد ) : بضم أوله أي عند النوم أي إرادته ( فإن الفويسقة ) : تصغير فاسقة ، والمراد بها الفأرة لخروجها من جحرها على الناس وإفسادها ( ربما ) : بتشديد الموحدة وتخفيف أي كثيرا أو قليلا ( اجترت الفتيلة ) : بتشديد الراء أي طلبت جرها ( فأحرقت ) : أي الفتيلة أو الفأرة فالنسبة مجازية ( أهل البيت ) : إما بإعيائهم ، فإنهم نائمون غافلون عنها ، أو بسبب إحراق بعض أثيابهم ، ويؤيده الرواية الآتية " تضرم على أهل البيت بيتهم " .




الخدمات العلمية