الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هدم

                                                          هدم : الهدم : نقيض البناء ، هدمه يهدمه هدما وهدمه فانهدم وتهدم وهدموا بيوتهم شدد للكثرة . ابن الأعرابي : الهدم قلع المدر ، يعني البيوت ، وهو فعل مجاوز ، والفعل اللازم منه الانهدام . ويقال : هدمه ودهدمه بمعنى واحد ; قال العجاج :


                                                          وما سؤال طلل وأرسم والنؤي بعد عهده المدهدم

                                                          يعني الحاجر حول البيت إذا تهدم ، والهدم ، بالتحريك : ما تهدم من نواحي البئر ، فسقط في جوفها ; قال يصف امرأة فاجرة :


                                                          تمضي إذا زجرت عن سوأة قدما     كأنها هدم في الجفر منقاض

                                                          والأهدمان : أن ينهار عليك بناء أو تقع في بئر أو أهوية . وقوله في الحديث : اللهم إني أعوذ بك من الأهدمين ; قيل في تفسيره : هو أن ينهدم على الرجل بناء ، أو يقع في بئر ، حكاه الهروي في الغريبين ، قال ابن سيده : ولا أدري ما حقيقته ; قال ابن الأثير : هو أن ينهار عليه بناء أو يقع في بئر أو أهوية . والأهدم . أفعل من الهدم : وهو ما تهدم من نواحي البئر فسقط فيها . وفي حديث الشهداء : وصاحب الهدم شهيد ; الهدم ، بالتحريك : البناء المهدوم ، فعل بمعنى مفعول ، وبالسكون الفعل نفسه ; ومنه الحديث : من هدم بنيان ربه فهو ملعون ، أي من قتل النفس المحرمة لأنها بنيان الله وتركيبه . وقالوا : دمنا دمكم ، وهدمنا هدمكم ، أي نحن شيء واحد في النصرة تغضبون لنا ونغضب لكم . وفي الحديث : أن أبا الهيثم بن التيهان قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بيننا وبين القوم حبالا ونحن قاطعوها ، فنخشى إن الله أعزك وأظهرك أن ترجع إلى قومك ، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ; يروى بسكون الدال وفتحها ، فالهدم ، بالتحريك : القبر ، يعني أقبر حيث تقبرون ، وقيل : هو المنزل أي منزلكم منزلي ، كحديثه الآخر : المحيا محياكم ، والممات مماتكم ، أي لا أفارقكم . والهدم ، بالسكون وبالفتح أيضا : هو إهدار دم القتيل ; يقال : دماؤهم بينهم هدم أي مهدرة ، والمعنى إن طلب دمكم فقد طلب دمي ، وإن أهدر دمكم فقد أهدر دمي لاستحكام الألفة بيننا ، وهو قول معروف ، والعرب تقول : دمي دمك وهدمي هدمك ، وذلك عند المعاهدة والنصرة . وروى الأزهري عن ابن الأعرابي قال : العرب تقول دمي دمك وهدمي هدمك ، هكذا رواه بالفتح ، قال : وهذا في النصرة ، والظلم تقول : إن ظلمت فقد ظلمت ; قال : وأنشدني العقيلي :


                                                          دما طيبا حبذا أنت من دم !

                                                          وكان أبو عبيدة يقول : هو الهدم الهدم واللدم اللدم ، أي حرمتي مع حرمتكم ، وبيتي مع بيتكم ; وأنشد :


                                                          ثم الحقي بهدمي ولدمي

                                                          أي بأصلي وموضعي . وأصل الهدم ما انهدم . يقال : هدمت هدما ، والمهدوم هدم ، وسمي منزل الرجل هدما لانهدامه ، وقال غيره : يجوز أن يسمى القبر هدما لأنه يحفر ترابه ثم يرد ، ترابه فيه ، فهو هدم ، فكأنه قال : مقبري مقبركم ، أي لا أزال معكم حتى أموت عندكم . وروى الأزهري عن أبي الهيثم أنه قال في الحلف : دمي دمك إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب بدم وليك ، أي ابن عمك وأخيك ، وهدمي هدمك أي من هدم لي عزا وشرفا فقد هدمه منك . وكل من قتل وليي ، فقد قتل وليك ، ومن أراد هدمك فقد قصدني بذلك . قال الأزهري : ومن رواه الدم الدم والهدم الهدم ، فهو على قول الحليف تطلب بدمي وأنا أطلب بدمك . وما هدمت من الدماء هدمت أي ما عفوت عنه وأهدرته فقد عفوت عنه وتركته . ويقال : إنهم إذا احتلفوا قالوا : هدمي هدمك ، ودمي دمك ، وترثني وأرثك ، ثم نسخ الله بآيات المواريث ما كانوا يشترطونه من الميراث في الحلف . والهدم ، بالكسر : الثوب الخلق المرقع ، وقيل : هو الكساء الذي ضوعفت رقاعه ، وخص ابن الأعرابي به الكساء البالي من الصوف دون الثوب ، والجمع أهدام وهدم ; الأخيرة عن أبي حنيفة ، وهي نادرة ; وقال أوس بن حجر :


                                                          وذات هدم عار نواشرها     تصمت بالماء تولبا جدعا

                                                          قال ابن بري : صوابه : وذات ، بالرفع ، لأنه معطوف على فاعل قبله ; وهو :


                                                          ليبكك الشرب والمدامة وال     فتيان طرا وطامع طمعا

                                                          وأنشد ابن بري لأبي دواد :

                                                          [ ص: 40 ]

                                                          هرقت في صفنه ماء ليشربه     في داثر خلق الأعضاد أهدام

                                                          وفي حديث عمر : وقفت عليه عجوز عشمة بأهدام ; الأهدام : الأخلاق من الثياب . وهدمت الثوب إذا رقعته . وفي حديث علي : لبسنا أهدام البلى ، وروي عن الصموتي الكلابي وذكر حبة الأرض فقال : تنحل فيأخذ بعضها رقاب بعض ، فتنطلق هدما كالبسط . وشيخ هدم : على التشبيه بالثوب . أبو عبيد : الهدم الشيخ الذي قد انحطم مثل الهم . والعجوز المتهدمة الفانية الهرمة . وتهدم عليه من الغضب إذا اشتد غضبه . وخف هدم ومهدم : مثل الثوب ; قال :


                                                          علي خفان مهدمان     مشتبها الأنف مقعمان

                                                          أبو سعيد : هدم فلان ثوبه وردمه إذا رقعه ; رواه ابن الفرج عنه . وعجوز متهدمة : هرمة فانية ، وناب متهدمة كذلك . والهدم : ما بقي من نبات عام أول ، وذلك لقدمه . وهدمت الناقة تهدم هدما وهدمة فهي هدمة من إبل هدامى وهدمة ، وتهدمت وأهدمت ، وهي مهدم ، كلاهما ، إذا اشتدت ضبعتها فياسرت الفحل ولم تعاسره . وقال بعضهم : الهدمة الناقة التي تقع من شدة الضبعة ; قال زيد بن تركي الدبيري :


                                                          يوشك أن يوجس في الأوجاس     فيها هديم ضبع هواس
                                                          إذا دعا العند بالأجراس

                                                          قال ابن جني : فيه ثلاث روايات ، إحداها :


                                                          فيها هديم ضبع هواس

                                                          ويكون الهديم هنا فحلا ، وأضافه إلى الضبع لأنه يهدم إذ ضبعت ، وهواس : من نعت هديم ; الرواية الثانية : هواس ، بالخفض على الجوار ; الرواية الثالثة :


                                                          فيها هديم ضبع هواس

                                                          وهو الصحيح ; لأن الهوس يكون في النوق ، وعليه يصح استشهاد الجوهري لأنه جعل الهديم الناقة الضبعة ، ويكون ( هواس ) بدلا من ( ضبع ) ، والضبع والهواس واحد . و ( هديم ) في هذه الأوجه فاعل ليوجس في البيت الذي قبله أي يسرع أن يسمع صوت هذا الفحل ناقة ضبعة فتشتد ضبعتها ; وأول الأرجوزة :


                                                          مزيد يا ابن النفر الأشواس     الشمس بل زادوا على الشماس

                                                          وفلان يتهدم عليك غضبا : مثل بذلك . وتهدم عليه : توعده . ودماؤهم هدم بينهم ، بالتسكين ، وهدم ، بالتحريك : أي هدر ، وذلك إذا لم يودوا قاتله . علي بن حمزة : هدم ، بسكون الدال . وتهادم القوم : تهادروا . والهدام : الدوار يصيب الإنسان في البحر ; وهدم الرجل : أصابه ذلك . والهدم : أن تضربه فتكسر ظهره ; عن ابن الأعرابي . وفي الحديث : من كانت الدنيا هدمه وسدمه أي بغيته وشهوته . قال ابن الأثير : هكذا رواه بعضهم ، والمحفوظ همه وسدمه ، والله أعلم . ورجل هدم : أحمق مخنث . وذو مهدم ومهدم : قيل من أقيال حمير . والمهدوم من اللبن : الرثيئة . وفي التهذيب : المهدومة الرثيئة من اللبن ; قال الشاعر :


                                                          شفيت أبا المختار من داء بطنه     بمهدومة تنبي ضلوع الشراسف

                                                          قال : المهدومة هي الرثيئة . قال شهاب : إذا حلب الحليب على الحقين جاءت رثيئة مذكرة طيبة ، لا فلق ولا ممذقرة سمهجة لينة . والهدمة : الدفعة من المال . ويقال : هذا شيء مهندم أي مصلح على مقدار ، وهو معرب ، وأصله بالفارسية أندام ، مثل مهندس ، وأصله اندازه . وفي الحديث : كل مما يليك وإياك والهذم ; قال ابن الأثير : هكذا رواه بعضهم بالذال المعجمة ، وهو سرعة الأكل ، والهيدام : الأكول ; قال أبو موسى : أظن الصحيح ، بالدال المهملة ، يريد به الأكل من جوانب القصعة دون وسطها ، وهو من الهدم ما تهدم من نواحي البئر . والهدمة : المطرة الخفيفة . وأرض مهدومة أي ممطورة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية