الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          هدي

                                                          هدي : من أسماء الله تعالى سبحانه : الهادي ; قال ابن الأثير : هو الذي بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته ، وهدى كل مخلوق إلى ما لا بد له منه في بقائه ودوام وجوده . ابن سيده : الهدى ضد الضلال ، وهو الرشاد ، والدلالة أنثى ، وقد حكي فيها التذكير ; وأنشد ابن بري ليزيد بن خذاق :


                                                          ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت سبل المكارم والهدى تعدي

                                                          قال ابن جني : قال اللحياني الهدى مذكر ، قال : وقال الكسائي بعض بني أسد يؤنثه ، يقول : هذه هدى مستقيمة . قال أبو إسحاق : قوله - عز وجل - : قل إن هدى الله هو الهدى ; أي الصراط الذي دعا إليه ، هو طريق الحق . وقوله تعالى : إن علينا للهدى ، أي إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال . وقد هداه هدى وهديا وهداية وهدية وهداه للدين هدى وهداه يهديه في الدين هدى . وقال قتادة في قوله - عز وجل - : وأما ثمود فهديناهم ; أي بينا لهم طريق الهدى وطريق الضلالة فاستحبوا أي آثروا الضلالة على الهدى . الليث : لغة أهل الغور هديت لك في معنى بينت لك . وقوله تعالى : أولم يهد لهم ; قال أبو عمرو بن العلاء : أولم يبين لهم . وفي الحديث : أنه قال لعلي : سل الله الهدى ، وفي رواية : قل اللهم اهدني وسددني ، واذكر بالهدى هدايتك الطريق وبالسداد تسديدك السهم ; والمعنى إذا سألت الله الهدى فأخطر بقلبك هداية الطريق ، وسل الله الاستقامة فيه كما تتحراه في سلوك الطريق ; لأن سالك الفلاة يلزم الجادة ولا يفارقها خوفا من الضلال ، وكذلك الرامي إذا رمى شيئا سدد السهم نحوه ليصيبه ، فأخطر ذلك بقلبك ليكون ما تنويه من الدعاء على شاكلة ما تستعمله في الرمي . وقوله - عز وجل - : الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ; معناه خلق كل شيء على الهيئة التي بها ينتفع ، والتي هي أصلح الخلق له ، ثم هداه لمعيشته ، وقيل : ثم هداه لموضع ما يكون منه الولد ، والأول أبين وأوضح ، وقد هدي فاهتدى . الزجاج في قوله تعالى : قل الله يهدي للحق ; يقال : هديت للحق وهديت إلى الحق بمعنى واحد ; لأن هديت يتعدى إلى المهديين ، والحق يتعدى بحرف جر ، المعنى : قل الله يهدي من يشاء للحق . وفي الحديث : سنة الخلفاء الراشدين المهديين ; المهدي الذي قد هداه الله إلى الحق ، وقد استعمل في الأسماء حتى صار كالأسماء الغالبة ، وبه سمي المهدي الذي بشر به النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يجيء في آخر الزمان ، ويريد بالخلفاء المهديين : أبا بكر وعمر وعثمان وعليا - رضوان الله عليهم - وإن كان عاما في كل من سار سيرتهم ، وقد تهدى إلى الشيء واهتدى . وقوله تعالى : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ; قيل : [ ص: 42 ] بالناسخ والمنسوخ ، وقيل : بأن يجعل جزاءهم أن يزيدهم في يقينهم هدى كما أضل الفاسق بفسقه ، ووضع الهدى موضع الاهتداء . وقوله تعالى : وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ; قال الزجاج : تاب من ذنبه وآمن بربه ثم اهتدى أي أقام على الإيمان ، وهدى واهتدى بمعنى . وقوله تعالى : فإن الله لا يهدي من يضل ; قال الفراء : يريد لا يهتدي . وقوله تعالى : أمن لا يهدي إلا أن يهدى ، بالتقاء الساكنين فيمن قرأ به ، فإن ابن جني قال : لا يخلو من أحد أمرين : إما أن تكون الهاء مسكنة ألبتة ، فتكون التاء من يهتدي مختلسة الحركة ، وإما أن تكون الدال مشددة فتكون الهاء مفتوحة بحركة التاء المنقولة إليها أو مكسورة لسكونها وسكون الدال الأولى ، قال الفراء : معنى قوله تعالى : أمن لا يهدي إلا أن يهدى ; يقول : يعبدون ما لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلا أن ينقلوه ، قال الزجاج : وقرئ ( أم من لا يهدي ) ، بإسكان الهاء والدال ، قال : وهي قراءة شاذة ، وهي مروية ، قال : وقرأ أبو عمرو : أم من لا يهدي ، بفتح الهاء ، والأصل لا يهتدي . وقرأ عاصم : أم من لا يهدي ، بكسر الهاء ، بمعنى يهتدي أيضا ، ومن قرأ : أم من لا يهدي ، خفيفة ، فمعناه يهتدي أيضا . يقال : هديته فهدى أي اهتدى ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          إن مضى الحول ولم آتكم     بعناج تهتدي أحوى طمر

                                                          فقد يجوز أن يريد تهتدي بأحوى ، ثم حذف الحرف وأوصل الفعل ، وقد يجوز أن يكون معنى تهتدي هنا تطلب أن يهديها ، كما حكاه سيبويه من قولهم : اخترجته في معنى استخرجته أي طلبت منه أن يخرج . وقال بعضهم : هداه الله الطريق . وهي لغة أهل الحجاز ، وهداه للطريق وإلى الطريق هداية وهداه يهديه هداية إذا دله على الطريق . وهديته الطريق والبيت هداية أي عرفته ، لغة أهل الحجاز ، وغيرهم يقول : هديته إلى الطريق وإلى الدار ; حكاها الأخفش . قال ابن بري : يقال هديته الطريق بمعنى عرفته فيعدى إلى مفعولين ، ويقال : هديته إلى الطريق وللطريق على معنى أرشدته إليها ، فيعدى بحرف الجر كأرشدت ، قال : ويقال : هديت له الطريق على معنى بينت له الطريق ، وعليه قوله سبحانه وتعالى : أولم يهد لهم ، وهديناه النجدين ، وفيه : اهدنا الصراط المستقيم ، معنى طلب الهدى منه تعالى ، وقد هداهم أنهم قد رغبوا منه تعالى التثبيت على الهدى ، وفيه : وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد ، وفيه : وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم . وأما هديت العروس إلى زوجها فلا بد فيه من اللام لأنه بمعنى زففتها إليه ، وأما أهديت إلى البيت هديا فلا يكون إلا بالألف لأنه بمعنى أرسلت فلذلك جاء على أفعلت . وفي حديث محمد بن كعب : بلغني أن عبد الله بن أبي سليط قال لعبد الرحمن بن زيد بن حارثة ، وقد أخر صلاة الظهر : أكانوا يصلون هذه الصلاة الساعة ؟ قال : لا والله ، فما هدى مما رجع أي فما بين وما جاء بحجة مما أجاب ، إنما قال لا والله ، وسكت ، والمرجوع الجواب فلم يجئ بجواب فيه بيان ولا حجة لما فعل من تأخير الصلاة . وهدى : بمعنى بين في لغة أهل الغور ، يقولون : هديت لك بمعنى بينت لك . ويقال بلغتهم نزلت : أولم يهد لهم . وحكى ابن الأعرابي : رجل هدو على مثال عدو ، كأنه من الهداية ، ولم يحكها يعقوب في الألفاظ التي حصرها كحسو وفسو . وهديت الضالة هداية . والهدى : النهار ; قال ابن مقبل :


                                                          حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة     يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا

                                                          والهدى : إخراج شيء إلى شيء . والهدى أيضا : الطاعة والورع . والهدى : الهادي في قوله - عز وجل - : أو أجد على النار هدى ; والطريق يسمى هدى ; ومنه قول الشماخ :


                                                          قد وكلت بالهدى إنسان ساهمة     كأنه من تمام الظمء مسمول

                                                          وفلان لا يهدي الطريق ولا يهتدي ولا يهدي ولا يهدي ، وذهب على هديته أي على قصده في الكلام وغيره . وخذ في هديتك أي فيما كنت فيه من الحديث والعمل ولا تعدل عنه . الأزهري : أبو زيد في باب الهاء والقاف : يقال للرجل إذا حدث بحديث ثم عدل عنه قبل أن يفرغ إلى غيره : خذ على هديتك ، بالكسر ، وقديتك أي خذ فيما كنت فيه ولا تعدل عنه ، وقال : كذا أخبرني أبو بكر عن شمر ، وقيده في كتابه المسموع من شمر : خذ في هديتك وقديتك ، أي خذ فيما كنت فيه بالقاف . ونظر فلان هدية أمره أي جهة أمره . وضل هديته وهديته أي لوجهه ; قال عمرو بن أحمر الباهلي :


                                                          نبذ الجؤار وضل هدية روقه     لما اختللت فؤاده بالمطرد

                                                          أي ترك وجهه الذي كان يريده وسقط لما أن صرعته ، وضل الموضع الذي كان يقصد له بروقه من الدهش . ويقال : فلان يذهب على هديته أي على قصده . ويقال : هديت أي قصدت . وهو على مهيديته أي حاله ; حكاها ثعلب ، ولا مكبر لها . ولك هديا هذه الفعلة أي مثلها ، ولك عندي هدياها أي مثلها . ورمى بسهم ثم رمى بآخر هدياه أي مثله أو قصده . ابن شميل : استبق رجلان فلما سبق أحدهما صاحبه تبالحا فقال له المسبوق : لم تسبقني ! فقال السابق : فأنت على هدياها أي أعاودك ثانية ، وأنت على بدأتك ، أي أعاودك ; وتبالحا : تجاحدا ، وقال : فعل به هدياها أي مثلها . وفلان يهدي هدي فلان : يفعل مثل فعله ويسير سيرته . وفي الحديث : واهدوا بهدي عمار أي سيروا بسيرته وتهيأوا بهيئته . وما أحسن هديه أي سمته وسكونه . وفلان حسن الهدي والهدية أي الطريقة والسيرة . وما أحسن هديته وهديه أيضا ، بالفتح ، أي سيرته ، والجمع هدي ، مثل تمرة وتمر . وما أشبه هديه بهدي فلان أي سمته . أبو عدنان : فلان حسن الهدي ، وهو حسن المذهب في أموره كلها ; وقال زيادة بن زيد العدوي :


                                                          ويخبرني عن غائب المرء هديه     كفى الهدي عما غيب المرء مخبرا

                                                          وهدى هدي فلان أي سار سيره . الفراء : يقال ليس لهذا الأمر هدية [ ص: 43 ] ولا قبلة ولا دبرة ولا وجهة . وفي حديث عبد الله بن مسعود : إن أحسن الهدي هدي محمد ، أي أحسن الطريق والهداية والطريقة والنحو والهيئة ، وفي حديثه الآخر : كنا ننظر إلى هديه ودله ; أبو عبيد : وأحدهما قريب المعنى من الآخر ; وقال عمران بن حطان :


                                                          وما كنت في هدي علي غضاضة     وما كنت في مخزاته أتقنع

                                                          وفي الحديث : الهدي الصالح والسمت الصالح جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ; ابن الأثير : الهدي السيرة والهيئة والطريقة ، ومعنى الحديث أن هذه الحال من شمائل الأنبياء من جملة خصالهم وأنها جزء معلوم من أجزاء أفعالهم ، وليس المعنى أن النبوة تتجزأ ، ولا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النبوة ، فإن النبوة غير مكتسبة ، ولا مجتلبة بالأسباب ، وإنما هي كرامة من الله تعالى ، ويجوز أن يكون أراد بالنبوة ما جاءت به النبوة ، ودعت إليه ، وتخصيص هذا العدد مما يستأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمعرفته . وكل متقدم هاد . والهادي : العنق لتقدمه ; قال المفضل النكري :


                                                          جموم الشد شائلة الذنابى     وهاديها كأن جذع سحوق

                                                          والجمع هواد . وفي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : أنه بعث إلى ضباعة وذبحت شاة فطلب منها ، فقالت ما بقي منها إلا الرقبة فبعث إليها أن أرسلي بها فإنها هادية الشاة . والهادية والهادي : العنق لأنها تتقدم على البدن ، ولأنها تهدي الجسد . الأصمعي : الهادية من كل شيء أوله ، وما تقدم منه ، ولهذا قيل : أقبلت هوادي الخيل إذا بدت أعناقها . وفي الحديث : طلعت هوادي الخيل يعني أوائلها . وهوادي الليل : أوائله لتقدمها كتقدم الأعناق ; قال سكين بن نضرة البجلي :


                                                          دفعت بكفي الليل عنه وقد بدت     هوادي ظلام الليل فالظل غامره

                                                          وهوادي الخيل : أعناقها ، لأنها أول شيء من أجسادها ، وقد تكون الهوادي أول رعيل يطلع منها ، لأنها المتقدمة . ويقال : قد هدت تهدي إذا تقدمت ; وقال عبيد يذكر الخيل :


                                                          وغداة صبحن الجفار عوابسا     تهدي أوائلهن شعث شزب

                                                          أي يتقدمهن ; وقال الأعشى وذكر عشاه وأن عصاه تهديه :


                                                          إذا كان هادي الفتى في البلا     د صدر القناة أطاع الأميرا

                                                          وقد يكون إنما سمى العصا هاديا لأنه يمسكها فهي تهديه تتقدمه ، وقد يكون من الهداية لأنها تدله على الطريق ، وكذلك الدليل يسمى هاديا لأنه يتقدم القوم ويتبعونه ، ويكون أن يهديهم للطريق . وهاديات الوحش : أوائلها ، وهي هواديها . والهادية : المتقدمة من الإبل . والهادي : الدليل ، لأنه يقدم القوم . وهداه أي تقدمه ; قال طرفة :


                                                          للفتى عقل يعيش به     حيث تهدي ساقه قدمه

                                                          وهادي السهم : نصله ; وقول امرئ القيس :


                                                          كأن دماء الهاديات بنحره     عصارة حناء بشيب مرجل

                                                          يعني به أوائل الوحش . ويقال : هو يهاديه الشعر ، وهاداني فلان الشعر وهاديته أي هاجاني وهاجيته . والهدية : ما أتحفت به ، يقال : أهديت له وإليه . وفي التنزيل العزيز : وإني مرسلة إليهم بهدية ; قال الزجاج : جاء في التفسير أنها أهدت إلى سليمان لبنة ذهب ، وقيل : لبن ذهب في حرير ، فأمر سليمان - عليه السلام - بلبنة الذهب فطرحت تحت الدواب حيث تبول عليها وتروث ، فصغر في أعينهم ما جاءوا به وقد ذكر أن الهدية كانت غير هذا ، إلا أن قول سليمان : أتمدونني بمال ؟ يدل على أن الهدية كانت مالا . والتهادي : أن يهدي بعضهم إلى بعض . وفي الحديث : تهادوا تحابوا ، والجمع هدايا وهداوى ، وهي لغة أهل المدينة ، وهداوي وهداو ; الأخيرة عن ثعلب ، أما هدايا فعلى القياس أصلها هدائي ، ثم كرهت الضمة على الياء فأسكنت فقيل هدائي ، ثم قلبت الياء ألفا استخفافا لمكان الجمع فقيل هداءا ، كما أبدلوها في مدارى ، ولا حرف علة هناك إلا الياء ، ثم كرهوا همزة بين ألفين ; لأن الهمزة بمنزلة الألف ، إذ ليس حرف أقرب إليها منها ، فصوروها ثلاث همزات ، فأبدلوا من الهمزة ياء لخفتها ، ولأنه ليس حرف بعد الألف أقرب إلى الهمزة من الياء ، ولا سبيل إلى الألف لاجتماع ثلاث ألفات فلزمت الياء بدلا ، ومن قال : هداوى ، أبدل الهمزة واوا لأنهم قد يبدلونها منها كثيرا كبوس وأومن ; هذا كله مذهب سيبويه ، قال ابن سيده : وزدته أنا إيضاحا ، وأما هداوي فنادر ، وأما هداو فعلى أنهم حذفوا الياء من هداوي حذفا ثم عوض منها التنوين . أبو زيد : الهداوى لغة عليا معد ، وسفلاها الهدايا . ويقال : أهدى وهدى بمعنى ; ومنه :


                                                          أقول لها هدي ولا تذخري لحمي

                                                          وأهدى الهدية إهداء وهداها . والمهدى ، بالقصر وكسر الميم : الإناء الذي يهدى فيه مثل الطبق ونحوه ; قال :


                                                          مهداك ألأم مهدى حين تنسبه     فقيرة أو قبيح العضد مكسور

                                                          ولا يقال للطبق مهدى إلا وفيه ما يهدى . وامرأة مهداء ، بالمد ، إذا كانت تهدي لجاراتها . وفي المحكم : إذا كانت كثيرة الإهداء ; قال الكميت :


                                                          وإذا الخرد اغبررن من المح     ل وصارت مهداؤهن عفيرا

                                                          وكذلك الرجل مهداء : من عادته أن يهدي . وفي الحديث : من هدى زقاقا كان له مثل عتق رقبة ; هو من هداية الطريق أي من عرف ضالا أو ضريرا طريقه ، ويروى بتشديد الدال ، إما للمبالغة من الهداية ، أو من الهدية ، أي من تصدق بزقاق من النخل ، وهو السكة والصف من أشجاره ، والهداء : أن تجيء هذه بطعامها وهذه بطعامها فتأكلا في موضع واحد . والهدي والهدية : العروس ; قال أبو ذؤيب :


                                                          برقم ووشي كما نمنمت     بمشيتها المزدهاة الهدي

                                                          والهداء : مصدر قولك : هدى العروس . وهدى العروس إلى بعلها هداء وأهداها واهتداها ; الأخيرة عن أبي علي ; وأنشد :


                                                          كذبتم وبيت الله لا تهتدونها

                                                          وقد هديت إليه ; قال زهير :


                                                          فإن تكن النساء مخبآت     فحق لكل محصنة هداء

                                                          [ ص: 44 ] ابن بزرج : واهتدى الرجل امرأته إذا جمعها إليه وضمها ، وهي مهدية وهدي ، أيضا فعيل ; وأنشد ابن بري :


                                                          ألا يا دار عبلة بالطوي     كرجع الوشم في كف الهدي

                                                          والهدي : الأسير ; قال المتلمس يذكر طرفة ومقتل عمرو بن هند إياه :


                                                          كطريفة بن العبد كان هديهم     ضربوا صميم قذاله بمهند

                                                          قال : وأظن المرأة إنما سميت هديا لأنها كالأسير عند زوجها ; قال الشاعر :


                                                          كرجع الوشم في كف الهدي

                                                          قال : ويجوز أن يكون سميت هديا لأنها تهدى إلى زوجها ، فهي هدي فعيل بمعنى مفعول . والهدي : ما أهدي إلى مكة من النعم . وفي التنزيل العزيز : حتى يبلغ الهدي محله ، وقرئ : ( حتى يبلغ الهدي محله ) ، بالتخفيف والتشديد ، الواحدة هدية وهدية ، قال ابن بري : الذي قرأه بالتشديد الأعرج ، وشاهده قول الفرزدق :


                                                          حلفت برب مكة والمصلى     وأعناق الهدي مقلدات

                                                          وشاهد الهدية ; قول ساعدة بن جؤية :


                                                          إني وأيديهم وكل هدية     مما تثج له ترائب تثعب

                                                          وقال ثعلب : الهدي ، بالتخفيف ، لغة أهل الحجاز ، والهدي ، بالتثقيل ، على فعيل لغة بني تميم ، وسفلى قيس ، وقد قرئ بالوجهين جميعا : حتى يبلغ الهدي محله . ويقال : مالي هدي إن كان كذا ، وهي يمين . وأهديت الهدي إلى بيت الله إهداء . وعليه هدية أي بدنة . الليث وغيره : ما يهدى إلى مكة من النعم وغيره من مال أو متاع فهو هدي وهدي ، والعرب تسمي الإبل هديا ، ويقولون : كم هدي بني فلان ; يعنون الإبل ، سميت هديا لأنها تهدى إلى البيت . غيره : وفي حديث طهفة في صفة السنة : هلك الهدي ، ومات الودي ، الهدي ، بالتشديد : كالهدي ، بالتخفيف ، وهو ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر ، فأطلق على جميع الإبل ، وإن لم تكن هديا تسمية للشيء ببعضه ، أراد هلكت الإبل ويبست النخيل . وفي حديث الجمعة : فكأنما أهدى دجاجة ، وكأنما أهدى بيضة ; الدجاجة والبيضة ليستا من الهدي وإنما هو من الإبل والبقر ، وفي الغنم خلاف فهو محمول على حكم ما تقدمه من الكلام ; لأنه لما قال : أهدى بدنة وأهدى بقرة وشاة ، أتبعه بالدجاجة والبيضة ، كما تقول : أكلت طعاما وشرابا ، والأكل يختص بالطعام دون الشراب ; ومثله قول الشاعر :


                                                          متقلدا سيفا ورمحا

                                                          والتقلد بالسيف دون الرمح . وفلان هدي بني فلان وهديهم أي جارهم يحرم عليهم منه ما يحرم من الهدي ، وقيل : الهدي والهدي الرجل ذو الحرمة يأتي القوم يستجير بهم أو يأخذ منهم عهدا ، فهو ما لم يجر أو يأخذ العهد ، هدي ، فإذا أخذ العهد منهم فهو حينئذ جار لهم ; قال زهير :


                                                          فلم أر معشرا أسروا هديا     ولم أر جار بيت يستباء

                                                          قال الأصمعي في تفسير هذا البيت : هو الرجل الذي له حرمة كحرمة هدي البيت ، ويستباء : من البواء أي القود أي أتاهم يستجير بهم فقتلوه برجل منهم ; وقال غيره في قرواش :


                                                          هديكم خير أبا من أبيكم     أبر وأوفى بالجوار وأحمد

                                                          ورجل هدان وهداء : للثقيل الوخم ; قال الأصمعي : لا أدري أيهما سمعت أكثر ; قال الراعي :


                                                          هداء أخو وطب وصاحب علبة     يرى المجد أن يلقى خلاء وأمرعا

                                                          ابن سيده : الهداء الرجل الضعيف البليد . والهدي : السكون ; قال الأخطل :


                                                          وما هدى هدي مهزوم وما نكلا

                                                          يقول : لم يسرع إسراع المنهزم ، ولكن على سكون وهدي حسن .

                                                          والتهادي : مشي النساء والإبل الثقال ، وهو مشي في تمايل وسكون . وجاء فلان يهادى بين اثنين إذا كان يمشي بينهما معتمدا عليهما من ضعفه وتمايله . وفي الحديث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في مرضه الذي مات فيه يهادى بين رجلين ; أبو عبيد : معناه أنه كان يمشي بينهما يعتمد عليهما من ضعفه وتمايله ، وكذلك كل من فعل بأحد فهو يهاديه ; قال ذو الرمة :


                                                          يهادين جماء المرافق وعثة     كليلة حجم الكعب ريا المخلخل

                                                          وإذا فعلت ذلك المرأة وتمايلت في مشيتها من غير أن يماشيها أحد قيل : تهادى ; قال الأعشى :


                                                          إذا ما تأتى تريد القيام     تهادى كما قد رأيت البهيرا

                                                          وجئتك بعد هدء من الليل ، وهدي لغة في هدء ; الأخيرة عن ثعلب . والهادي : الراكس ، وهو الثور في وسط البيدر يدور عليه الثيران في الدراسة ; وقول أبي ذؤيب :


                                                          فما فضلة من أذرعات هوت بها     مذكرة عنس كهادية الضحل

                                                          أراد بهادية الضحل أتان الضحل ، وهي الصخرة الملساء . والهادية : الصخرة النابتة في الماء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية