الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            رزق القضاة .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه ولا يكلفه الطالب ، فإن لم يفعل قال للطالب إن شئت بصحيفة فيها شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ولا أكرهك ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب وأنسى شهادته " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذه المسألة تشتمل على فصلين :

                                                                                                                                            أحدهما : في رزق القاضي .

                                                                                                                                            والقضاء مما يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال : لأن الله تعالى جعل للعاملين على الصدقات سهما فيها وقد استقضى عمر شريحا ، وجعل له في كل شهر مائة درهم رزقا فلما أفضت الخلافة إلى علي جعل رزقه في كل شهر خمسمائة درهم . وأخذ زيد بن ثابت على القضاء رزقا ، ولأنه لما ارتزق الخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم على الخلافة لانقطاعهم بها عن المكاسب ، كان القضاة بمثابتهم .

                                                                                                                                            ويكون هذا الرزق جعالة ولا يكون أجرة ، لأن الأجرة مستحقة بعقد لازم والجعالة مستحقة بعقد جائز . والقضاء في العقود الجائزة دون اللازمة ، فلذلك كان الرزق فيه جعالة ولم يكن أجرة .

                                                                                                                                            [ ص: 293 ] وإذا جاز ارتزاق القضاة بما وصفنا ، فمتى وجد الإمام متطوعا بالقضاء لم يجز أن يعطي على القضاء رزقا وإن لم يجد متطوعا به جاز أن يعطي الرزق عليه .

                                                                                                                                            والأولى بالقاضي إذا استغنى عن الرزق أن يتطوع بعمله لله تعالى التماس ثوابه ، وإن استباح أخذه مع الحاجة والغنى .

                                                                                                                                            ورزقه مقدر بالكفاية من غير سرف ولا تقتير .

                                                                                                                                            وكذلك أرزاق أعوانه من كاتب ، وحاجب ، ونائب ، وقاسم ، وسجان حتى لا يستجعل واحد منهم خصما .

                                                                                                                                            قال الشافعي : ويجعل مع رزق القاضي شيئا لقراطيسه ، لأنه لا يستغني عن إثبات الحجج والمحاكمات ، وكتب المحاضر والسجلات ، وهي من عموم المصالح فكان سهم المصالح من بيت المال أحق بتحملها .

                                                                                                                                            فإن تعذرت من بيت المال ، قال القاضي للمحكوم له : إن شئت فأت بقرطاس تكتب فيه شهادة شاهديك وخصومتك ، وهو على التقديم والتأخير : لأنه يبدأ بكتب الخصومة ثم بالشهادة ثم بالحكم .

                                                                                                                                            ولا يكره على القراطيس ؛ لأنه لوثيقة هو مخير في التوثق بها وقيل : لك الخيار في إحضار قرطاس تكتب فيه حجتك .

                                                                                                                                            فأما قول الشافعي : اكتب فيه شهادة شاهديك وكتاب خصومتك ، ثم قال ولا أقبل أن يشهد لك شاهد بلا كتاب ، فأنسى شهادته . فقد اختلف أصحابنا في تأويله على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : إنه يكتب فيه ما حكم له بالشهادة .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكتب فيه الشهادة قبل إنكار الخصم ليحكم بها فمن ذهب إلى التأويل الأول منع من سماع الشهادة قبل إنكار الخصم ومن ذهب إلى التأويل الثاني جوز سماع الشهادة قبل إنكار الخصم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية