الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            القضاء على الغائب

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " فإن قبل الشهادة من غير محضر خصم فلا بأس " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأما سماع الدعوى على الغائب فإن لم تقترن بها بينة لم تسمع ؛ لأن سماعها غير مفيد وإن اقترن بها بينة سمعت وسمعت البينة عليها ، وهذا متفق عليه في جواز الدعوى والبينة على الغائب .

                                                                                                                                            واختلف في معنى سماع البينة على الغائب .

                                                                                                                                            فهو عند الشافعي ومن يرى القضاء على الغالب سماع حكم .

                                                                                                                                            وعند أبي حنيفة ومن لا يرى القضاء على الغائب سماع تحمل كالشهادة على الشهادة .

                                                                                                                                            فأما القضاء على الغائب بعد سماع البينة عليه فلا تخلو غيبته من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون غائبا عن الحكم حاضرا في مجلسه فلا يجوز الحكم عليه إلا بعد حضوره وإمضاء الحكم عليه بعد إعلامه ، وهذا متفق عليه وإن اختلف في معناه . فهو عند الشافعي ومن يرى القضاء على الغائب ارتفاع الضرورة .

                                                                                                                                            وعند أبي حنيفة ومن لا يرى القضاء على الغائب ما عساه يدفع به الحجة .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون غائبا عن بلد الحكم فقد اختلف الفقهاء في جواز القضاء عليه مع غيبته على ثلاثة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها : وهو مذهب الشافعي يجوز القضاء عليه مع غيبته في عموم الأحكام ، فيما ينقل ولا ينقل ، سواء تعلقت بحاضر أو لم تتعلق بحاضر كما يجوز أن يحكم على [ ص: 297 ] الميت وعلى من لا يجيب عن نفسه من الصبي والمجنون ، ومن شرط التنفيذ عليه بعد الحكم أن يستحلف المحكوم له على بقاء حقه بعد ثبوته .

                                                                                                                                            والثاني : وهو مذهب أبي حنيفة أن القضاء على الغائب لا يجوز فيما ينقل وما لا ينقل ، إلا أن يتعلق بحاضر فيجوز أن يحكم عليه تبعا للحاضر لقوله : غصبني هذا وفلان الغائب عبدا أو ابتاعا مني دارا .

                                                                                                                                            والثالث : وهو مذهب مالك : يجوز القضاء على الغائب فيما ينقل ، ولا يجوز القضاء عليه فيما لا ينقل من العقار ، فهذه مذاهب الفقهاء في القضاء على الغائب عن البلد .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون غائبا عن مجلس الحكم وحاضرا في بلده ، فقد اختلف أصحابنا هل يجري مجرى الغائب عن البلد في جواز القضاء عليه .

                                                                                                                                            أو يكون كالحاضر في مجلس الحكم في المنع من القضاء عليه .

                                                                                                                                            على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي لا يجوز القضاء عليه إلا بعد حضوره للقدرة عليه في الحال كالحاضر في المجلس .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو مذهب ابن شبرمة وأحمد وإسحاق يجوز القضاء عليه كالغائب عن البلد ، قال ابن شبرمة : أحكم عليه ولو كان وراء جدار ، فهذه أحوال الغائب واختلاف الفقهاء في القضاء عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية