الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ هنأ ]

                                                          هنأ : الهنيء والمهنأ : ما أتاك بلا مشقة ، اسم كالمشتى . وقد هنئ الطعام وهنؤ يهنأ هناءة : صار هنيئا مثل فقه وفقه . وهنئت الطعام أي تهنأت به . وهنأني الطعام وهنأ لي يهنئني ويهنؤني هنأ وهنأ ، ولا نظير في المهموز . ويقال : هنأني خبز فلان أي كان هنيئا بغير تعب ولا مشقة . وقد هنأنا الله الطعام ، وكان طعاما استهنأناه أي استمرأناه . وفي حديث سجود السهو : فهنأه ومناه ، أي ذكره المهانئ والأماني ، والمراد به ما يعرض للإنسان في صلاته من أحاديث النفس وتسويل الشيطان . ولك المهنأ والمهنا ، والجمع المهانئ ، هذا هو الأصل بالهمز ، وقد يخفف ، وهو في الحديث أشبه لأجل مناه . وفي حديث ابن مسعود في إجابة صاحب الربا ، إذا دعا إنسانا وأكل طعامه ، قال : لك المهنأ وعليه الوزر ، أي يكون أكلك له هنيئا لا تؤاخذ به ووزره على من كسبه . وفي حديث النخعي في طعام العمال الظلمة : لهم المهنأ ، وعليهم الوزر . وهنأتنيه العافية ، وقد تهنأته وهنئت الطعام ، بالكسر ، أي تهنأت به . فأما ما أنشده سيبويه من قوله :


                                                          فارعي فزارة لا هناك المرتع

                                                          فعلى البدل للضرورة ، وليس على التخفيف ; وأما ما حكاه أبو عبيد من قول المتمثل من العرب :

                                                          حنت ولات هنت     وأنى لك مقروع

                                                          ، فأصله الهمز ، ولكن المثل يجري مجرى الشعر ، فلما احتاج إلى المتابعة أزوجها حنت . يضرب هذا المثل لمن يتهم في حديثه ولا يصدق . قاله مازن بن مالك بن عمرو بن تميم لابنة أخيه الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم حين قالت لأبيها : إن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة يريد أن يغير عليهم ، فاتهمها مازن لأن عبد شمس كان يهواها ، وهي تهواه فقال هذه المقالة . وقوله : حنت أي حنت إلى عبد شمس ونزعت إليه . وقوله : ولات هنت أي ليس الأمر حيث ذهبت . وأنشد الأصمعي :


                                                          لات هنا ذكرى جبيرة     أم من جاء منها بطائف الأهوال

                                                          يقول ليس جبيرة حيث ذهبت ، ايأس منها ، ليس هذا موضع ذكرها . وقوله : أم من جاء منها : يستفهم يقول :

                                                          من ذا الذي دل علينا خيالها

                                                          . قال الراعي :


                                                          نعم لات هنا     إن قلبك متيح

                                                          يقول : ليس الأمر حيث ذهبت إنما قلبك متيح في غير ضيعة . وكان ابن الأعرابي يقول : حنت إلى عاشقها ، وليس أوان حنين ، وإنما هو ولا ، والهاء : صلة جعلت تاء ، ولو وقفت عليها لقلت لاه ، في القياس ، ولكن يقفون عليها بالتاء . قال ابن الأعرابي : سألت الكسائي ، فقلت : كيف تقف على بنت ؟ فقال : بالتاء إتباعا للكتاب ، وهي في الأصل هاء . الأزهري في قوله ولات هنت : كانت هاء الوقفة ثم صيرت تاء ليزاوجوا به حنت ، والأصل فيه هنا ، ثم قيل هنه للوقف . ثم صيرت تاء كما قالوا ذيت وذيت ، وكيت وكيت . ومنه قول العجاج :


                                                          وكانت الحياة حين حبت     وذكرها هنت ولات هنت

                                                          أي ليس ذا موضع ذلك ولا حينه ، والقصيدة مجرورة لما أجراها جعل هاء الوقفة تاء ، وكانت في الأصل هنه ، بالهاء ، كما يقال أنا وأنه ، والهاء تصير تاء في الوصل . ومن العرب من يقلب هاء التأنيث تاء إذا وقف عليها كقولهم : ولات حين مناص . وهي في الأصل ولاة . ابن شميل عن الخليل في قوله :

                                                          [ ص: 99 ]

                                                          لات هنا ذكرى جبيرة أم من

                                                          يقول : لا تحجم عن ذكرها ، لأنه يقول قد فعلت وهنيت ، فيحجم عن شيء ، فهو من هنيت وليس بأمر ، ولو كان أمرا لكان جزما ، ولكنه خبر يقول : أنت لا تهنأ ذكرها . وطعام هنيء : سائغ ، وما كان هنيئا ، ولقد هنؤ هناءة وهنأة وهنأ ، على مثال فعالة وفعلة وفعل . الليث : هنؤ الطعام يهنؤ هناءة ، ولغة أخرى هني يهنى ، بلا همز . والتهنئة : خلاف التعزية . يقال : هنأه بالأمر والولاية هنأ وهنأه تهنئة وتهنيئا إذا قلت له ليهنئك . والعرب تقول : ليهنئك الفارس ، بجزم الهمزة ، وليهنيك الفارس ، بياء ساكنة ، ولا يجوز ليهنك كما تقول العامة . وقوله - عز وجل - : فكلوه هنيئا مريئا ، قال الزجاج تقول : هنأني الطعام ومرأني . فإذا لم يذكر هنأني قلت أمرأني . وفي المثل : تهنأ فلان بكذا وتمرأ وتغبط وتسمن وتخيل وتزين بمعنى واحد . وفي الحديث : خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم يتسمنون . معناه : يتعظمون ويتشرفون ويتجملون بكثرة المال ، فيجمعونه ولا ينفقونه . وكلوه هنيئا مريئا . وكل أمر يأتيك من غير تعب ، فهو هنيء . الأصمعي يقال في الدعاء للرجل هنئت ولا تنكه ، أي أصبت خيرا ولا أصابك الضر ، تدعو له . أبو الهيثم : في قوله هنئت ، يريد ظفرت ، على الدعاء له . قال سيبويه : قالوا هنيئا مريئا ، وهي من الصفات التي أجريت مجرى المصادر المدعو بها في نصبها على الفعل غير المستعمل إظهاره ، واختزاله لدلالته عليه ، وانتصابه على فعل من غير لفظه ، كأنه ثبت له ما ذكر له هنيئا . وأنشد الأخطل :


                                                          إلى إمام تغادينا فواضله     أظفره الله فليهنئ له الظفر

                                                          قال الأزهري : وقال المبرد في قول أعشى باهلة :


                                                          أصبت في حرم منا أخا ثقة     هند بن أسماء لا يهنئ لك الظفر

                                                          قال : يقال هنأه ذلك وهنأ له ، ذلك كما يقال هنيئا له ; أنشد بيت الأخطل . وهنأ الرجل هنئا : أطعمه . وهنأه يهنؤه ويهنئه هنأ ، وأهنأه : أعطاه ، الأخيرة عن ابن الأعرابي . ومهنأ : اسم رجل . ابن السكيت يقال : هذا مهنأ قد جاء ، بالهمز ، وهو اسم رجل . وهناءة : اسم ، وهو أخو معاوية بن عمرو بن مالك أخي هناءة ونواء وفراهيد وجذيمة الأبرش . وهانئ : اسم رجل ، وفي المثل : إنما سميت هانئا لتهنئ ولتهنأ أي لتعطي . والهنء : العطية ، والاسم : الهنء ، بالكسر ، وهو العطاء . ابن الأعرابي : تهنأ فلان إذا كثر عطاؤه مأخوذ من الهنء ، وهو العطاء الكثير . وفي الحديث أنه قال لأبي الهيثم بن التيهان : لا أرى لك هانئا . قال الخطابي : المشهور في الرواية ماهنا ، وهو الخادم ، فإن صح ، فيكون اسم فاعل من هنأت الرجل أهنؤه هنأ إذا أعطيته . الفراء يقال : إنما سميت هانئا لتهنئ ولتهنأ أي لتعطي لغتان . وهنأت القوم إذا علتهم وكفيتهم وأعطيتهم . يقال : هنأهم شهرين يهنؤهم إذا عالهم . ومنه المثل : إنما سميت هانئا لتهنأ أي لتعول وتكفي ، يضرب لمن عرف بالإحسان ، فيقال له : أجر على عادتك ولا تقطعها . الكسائي : لتهنئ . وقال الأموي : لتهنئ ، بالكسر ، أي لتمرئ . ابن السكيت : هنأك الله ومرأك ، وقد هنأني ومرأني ، بغير ألف ، إذا أتبعوها هنأني ، فإذا أفردوها قالوا أمرأني . والهنيء والمريء : نهران أجراهما بعض الملوك . قال جرير يمدح بعض المروانية :


                                                          أوتيت من حدب الفرات جواريا     منها الهنيء وسائح في قرقرى

                                                          وقرقرى : قرية باليمامة ، فيها سيح لبعض الملوك . واستهنأ الرجل : استعطاه . وأنشد ثعلب :


                                                          نحسن الهنء إذا استهنأتنا     ودفاعا عنك بالأيدي الكبار

                                                          يعني بالأيدي الكبار المنن . وقوله أنشده الطوسي ; عن ابن الأعرابي :


                                                          وأشجيت عنك الخصم حتى تفوتهم     من الحق إلا ما استهانوك نائلا

                                                          قال : أراد استهنئوك ، فقلب ، وأرى ذلك بعد أن خفف الهمزة تخفيفا بدليا . ومعنى البيت أنه أراد : منعت خصمك عنك حتى فتهم بحقهم ، فهضمتهم إياه ، إلا ما سمحوا لك به من بعض حقوقهم ، فتركوه عليك فسمي تركهم ذلك عليه استهناء ، كل ذلك من تذكرة أبي علي . ويقال : استهنأ فلان بني فلان فلم يهنئوه أي سألهم فلم يعطوه . وقال عروة بن الورد :


                                                          ومستهنئ زيد أبوه فلم أجد     له مدفعا فاقني حياءك واصبري

                                                          ويقال : ما هنئ لي هذا الطعام أي ما استمرأته . الأزهري وتقول : هنأني الطعام ، وهو يهنؤني هنأ وهنأ ، ويهنئني . وهنأ الطعام هنأ وهنأ وهناءة : أصلحه . والهناء : ضرب من القطران . وقد هنأ الإبل يهنؤها ويهنئها ويهنؤها هنأ وهناء : طلاها بالهناء . وكذلك : هنأ البعير . تقول : هنأت البعير ، بالفتح ، أهنؤه إذا طليته بالهناء ، وهو القطران . وقال الزجاج : ولم نجد فيما لامه همزة فعلت أفعل إلا هنأت أهنؤ ، وقرأت أقرؤ . والاسم : الهنء وإبل مهنوءة . وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : لأن أزاحم جملا قد هنئ بقطران أحب إلي من أن أزاحم امرأة عطرة . الكسائي : هنئ : طلي ، والهناء الاسم ، والهنء المصدر . ومن أمثالهم : ليس الهناء بالدس ; الدس أن يطلي الطالي مساعر البعير ، وهي المواضع التي يسرع إليها الجرب من الآباط والأرفاغ ونحوها ، فيقال : دس البعير ، فهو مدسوس . ومنه قول ذي الرمة :


                                                          قريع هجان دس منها المساعر

                                                          فإذا عم جسد البعير كله بالهناء ، فذلك التدجيل . يضرب مثلا للذي لا يبالغ في إحكام الأمر ، ولا يستوثق منه ، ويرضى باليسير منه . وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - في مال اليتيم : إن كنت تهنأ جرباها أي تعالج جرب إبله بالقطران . وهنئت الماشية هنأ ، وهنأ : أصابت حظا من البقل من غير أن تشبع منه . والهناء : عذق النخلة عن أبي حنيفة ، لغة في الإهان . وهنئت الطعام أي تهنأت به . وهنأته [ ص: 100 ] شهرا أهنؤه أي علته . وهنئت الإبل من نبت أي شبعت . وأكلنا من هذا الطعام حتى هنئنا منه أي شبعنا .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية