الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                                        السنن الكبرى للنسائي

                                                                                                                        النسائي - أحمد بن شعيب النسائي

                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        50 - ذكر مناظرة عبد الله بن عباس الحرورية ، واحتجاجه فيما أنكروه على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه

                                                                                                                        8721 - أخبرنا عمرو بن علي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، قال : حدثني أبو زميل ، قال : حدثني عبد الله بن عباس ، قال : لما خرجت الحرورية اعتزلوا في دار ، وكانوا ستة آلاف ، فقلت لعلي : يا أمير المؤمنين ، أبرد بالصلاة ؛ لعلي أكلم هؤلاء القوم ، قال : إني أخافهم عليك ، قلت : كلا ، فلبست ، وترجلت ، ودخلت عليهم في دار نصف النهار ، وهم يأكلون ، فقالوا : مرحبا بك يا ابن عباس ، فما جاء بك ؟ قلت لهم : أتيتكم من عند [ ص: 559 ] أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المهاجرين والأنصار ، ومن عند ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصهره ، وعليهم نزل القرآن ، فهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ؛ لأبلغكم ما يقولون ، وأبلغهم ما تقولون ، فانتحى لي نفر منهم ، قلت : هاتوا ما نقمتم على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن عمه ، قالوا : ثلاث ، قلت : ما هن ؟

                                                                                                                        قال : أما إحداهن ، فإنه حكم الرجال في أمر الله ، وقال الله : إن الحكم إلا لله . ما شأن الرجال والحكم ؟ قلت : هذه واحدة . قالوا : وأما الثانية ، فإنه قاتل ، ولم يسب ، ولم يغنم ، إن كانوا كفارا لقد حل سباهم ، ولئن كانوا مؤمنين ما حل سباهم ولا قتالهم . قلت : هذه ثنتان ، فما الثالثة ؟ - وذكر كلمة معناها - قالوا : محى نفسه من أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين ، قلت : هل عندكم شيء غير هذا ؟ قالوا : حسبنا هذا ، قلت لهم : أرأيتكم إن قرأت عليكم من كتاب الله جل ثناؤه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما يرد قولكم أترجعون ؟ قالوا : نعم . قلت : أما قولكم : حكم الرجال في أمر الله ، فإني أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم ، فأمر الله تبارك وتعالى أن يحكموا فيه ، أرأيت قول الله تبارك وتعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم . وكان من حكم الله أنه صيره إلى الرجال [ ص: 560 ] يحكمون فيه ، ولو شاء لحكم فيه ، فجاز فيه حكم الرجال ، أنشدكم بالله ، أحكم الرجال في صلاح ذات البين وحقن دمائهم أفضل أو في أرنب ؟ قالوا : بلى ، بل هذا أفضل . وفي المرأة وزوجها : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . فنشدتكم بالله ، حكم الرجال في صلاح ذات بينهم ، وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة ؟ خرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .

                                                                                                                        قلت : وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أفتسبون أمكم عائشة ، تستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، وهي أمكم ؟ فإن قلتم : إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمنا ، فقد كفرتم : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ، فأنتم بين ضلالتين ، فأتوا منها بمخرج ، أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم .

                                                                                                                        وأما محي نفسه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بما ترضون . إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية صالح المشركين ، فقال لعلي : اكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله . قالوا : لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : امح يا علي ، اللهم إنك تعلم أني رسول الله ، امح يا علي ، واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . والله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير من علي ، وقد محى نفسه ، ولم يكن محوه نفسه ذلك محاه من النبوة ، أخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، فقتلهم المهاجرون والأنصار
                                                                                                                        .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        الخدمات العلمية