الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ هيب ]

                                                          هيب : الهيبة : المهابة ، وهي الإجلال والمخافة . ابن سيده : الهيبة التقية من كل شيء . هابه يهابه هيبا ومهابة ، والأمر منه هب ، بفتح الهاء ; لأن أصله هاب ، سقطت الألف لاجتماع الساكنين ، وإذا أخبرت عن نفسك قلت : هبت ، وأصله هيبت ، بكسر الياء ، فلما سكنت سقطت لاجتماع الساكنين ونقلت كسرتها إلى ما قبلها ، فقس عليه ; وهذا الشيء مهيبة لك . وهيبت إليه الشيء إذا جعلته مهيبا عنده . ورجل هائب ، وهيوب ، وهياب ، وهيابة ، وهيوبة ، وهيب ، وهيبان ، وهيبان ; قال ثعلب : الهيبان الذي يهاب ، فإذا كان ذلك كان الهيبان في معنى المفعول ، وكذلك الهيوب قد يكون الهائب ، وقد يكون المهيب . الصحاح : رجل مهيب أي يهابه الناس ، وكذلك رجل مهوب ، ومكان مهوب بني على قولهم : هوب الرجل ، لما نقل من الياء إلى الواو ، فيما لم يسم فاعله ; أنشد [ ص: 118 ] الكسائي لحميد بن ثور :


                                                          ويأوي إلى زغب مساكين دونهم فلا لا تخطاه الرفاق مهوب

                                                          قال ابن بري : صواب إنشاده : وتأوي بالتاء ، لأنه يصف قطاة ; وقبله :


                                                          فجاءت ومسقاها الذي وردت به     إلى الزور مشدود الوثاق كتيب

                                                          والكتيب : من الكتب ، وهو الخرز ; والمشهور في شعره :


                                                          تعيث به زغبا مساكين دونهم     ومكان مهاب أي مهوب

                                                          ; قال أمية بن أبي عائذ الهذلي :


                                                          ألا يا لقوم لطيف الخيال     أرق من نازح ذي دلال
                                                          أجاز إلينا على بعده     مهاوي خرق مهاب مهال

                                                          قال ابن بري : والبيت الأول من أبيات كتاب سيبويه ، أتى به شاهدا على فتح اللام الأولى ، وكسر الثانية ، فرقا بين المستغاث به والمستغاث من أجله . والطيف : ما يطيف بالإنسان في المنام من خيال محبوبته . والنازح : البعيد . وأرق : منع النوم . وأجاز : قطع ، والفاعل المضمر فيه يعود على الخيال . ومهاب : موضع هيبة . ومهال : موضع هول . والمهاوي : جمع مهوى ومهواة ، لما بين الجبلين ونحوهما . والخرق : الفلاة الواسعة . والهيبان : الجبان . والهيوب : الجبان الذي يهاب الناس . ورجل هيوب : جبان يهاب من كل شيء . وفي حديث عبيد بن عمير : الإيمان هيوب ، أي يهاب أهله ، فعول بمعنى مفعول ، فالناس يهابون أهل الإيمان ; لأنهم يهابون الله ويخافونه ; وقيل : هو فعول بمعنى فاعل ، أي إن المؤمن يهاب الذنوب والمعاصي فيتقيها ; قال الأزهري : فيه وجهان : أحدهما أن المؤمن يهاب الذنب فيتقيه ، والآخر : المؤمن هيوب أي مهيوب ; لأنه يهاب الله تعالى ، فيهابه الناس حتى يوقروه ; ومنه قول الشاعر :


                                                          لم يهب حرمة النديم

                                                          أي لم يعظمها . يقال : هب الناس يهابوك أي وقرهم يوقروك . يقال : هاب الشيء يهابه إذا خافه ، وإذا وقره ، وإذا عظمه . واهتاب الشيء كهابه ، قال :


                                                          ومرقب تسكن العقبان قلته     أشرفته مسفرا والشمس مهتابه

                                                          ويقال : تهيبني الشيء بمعنى تهيبته أنا . قال ابن سيده : تهيبت الشيء وتهيبني : خفته وخوفني ; قال ابن مقبل :


                                                          وما تهيبني الموماة أركبها     إذا تجاوبت الأصداء بالسحر

                                                          قال ثعلب : أي لا أتهيبها أنا ، فنقل الفعل إليها . وقال الجرمي : لا تهيبني الموماة أي لا تملأني مهابة . والهيبان : زبد أفواه الإبل . والهيبان : التراب ; وأنشد :


                                                          أكل يوم شعر مستحدث     نحن إذا في الهيبان نبحث

                                                          والهيبان : الراعي ; عن السيرافي . والهيبان : الكثير من كل شيء . والهيبان : المنتفش الخفيف ; قال ذو الرمة :


                                                          تمج اللغام الهيبان كأنه جنى     عشر تنفيه أشداقها الهدل

                                                          وقيل : الهيبان ، هنا ، الخفيف النحز . وأورد الأزهري هذا البيت مستشهدا به على إزباد مشافر الإبل ، فقال : قال ذو الرمة يصف إبلا وإزبادها مشافرها . وجنى العشر يخرج مثل رمانة صغيرة ، فتنشق عن مثل القز ، فشبه لغامها به ، والبوادي يجعلونه حراقا يوقدون به النار . وهاب هاب : من زجر الإبل . وأهاب بالإبل : دعاها . وأهاب بصاحبه : دعاه ، وأصله في الإبل . وفي حديث الدعاء : وقويتني على ما أهبت بي إليه من طاعتك . يقال : أهبت بالرجل إذا دعوته إليك ; ومنه حديث ابن الزبير في بناء الكعبة : وأهاب الناس إلى بطحه ، أي دعاهم إلى تسويته . وأهاب الراعي بغنمه أي صاح بها لتقف أو لترجع . وأهاب بالبعير ; وقال طرفة بن العبد :


                                                          تريع إلى صوت المهيب وتتقي     بذي خصل روعات أكلف ملبد

                                                          تريع : ترجع وتعود . وتتقي بذي خصل : أراد بذنب ذي خصل . وروعات : فزعات . والأكلف : الفحل الذي يشوب حمرته سواد . والملبد : الذي يخطر بذنبه ، فيتلبد البول على وركيه . وهاب : زجر للخيل . وهبي : مثله ، أي أقدمي وأقبلي ، وهلا أي قربي ; قال الكميت :


                                                          نعلمها هبي وهلا وأرحب

                                                          والهاب : زجر الإبل عند السوق ; يقال : هاب هاب ، وقد أهاب بها الرجل ; قال الأعشى :


                                                          ويكثر فيها هبي واضرحي     ومرسون خيل وأعطالها

                                                          وأما الإهابة فالصوت بالإبل ودعاؤها ، قال ذلك الأصمعي وغيره ومنه ; قول ابن أحمر :


                                                          إخالها سمعت عزفا فتحسبه     إهابة القسر ليلا حين تنتشر

                                                          وقسر : اسم راعي إبل ابن أحمر قائل هذا الشعر . قال الأزهري : وسمعت عقيليا يقول لأمة كانت ترعى روائد خيل ، فجفلت في يوم عاصف ، فقال لها : ألا وأهيبي بها ، ترع إليك ; فجعل دعاء الخيل إهابة أيضا . قال : وأما هاب ، فلم أسمعه إلا في الخيل دون الإبل ; وأنشد بعضهم :


                                                          والزجر هاب وهلا ترهبه



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية