الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 191 ] سورة آل عمران

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى : ( الم ( 1 ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( 2 ) ) .

( الم ) : قد تقدم الكلام عليها في أول البقرة ، والميم من " ميم " حركت لالتقاء الساكنين وهو الميم ولام التعريف في اسم الله ، ولم تحرك لسكونها وسكون الياء قبلها ، لأن جميع هذه الحروف التي على هذا المثال تسكن إذا لم يلقها ساكن بعدها ، كقوله لام ميم ذلك الكتاب ، و " حم " ، و " طس " ، و " ق " ، و " ك " . وفتحت لوجهين : أحدهما : كثرة استعمال اسم الله بعدها . والثاني : ثقل الكسرة بعد الياء والكسرة ، وأجاز الأخفش كسرها ، وفيه من القبح ما ذكرنا .

وقيل : فتحت لأن حركة همزة الله ألقيت عليها . وهذا بعيد لأن همزة الوصل لا حظ لها في الثبوت في الوصل حتى تلقى حركتها على غيرها .

وقيل : الهمزة في الله همزة قطع ، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال ، فلذلك ألقيت حركتها على الميم ; لأنها تستحق الثبوت ، وهذا يصح على قول من جعل أداة التعريف أل .

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) : قد ذكر إعرابه في آية الكرسي .

قال تعالى : ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ( 3 ) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ( 4 ) ) .

قوله تعالى : ( نزل عليك ) : هو خبر آخر ، وما ذكرناه في قوله : ( لا تأخذه ) [ البقرة : 255 ] فمثله هاهنا .

وقرئ " نزل " عليك بالتخفيف ، و " الكتاب " بالرفع ، وفي الجملة وجهان : [ ص: 192 ] أحدهما : هي منقطعة . والثاني : هي متصلة بما قبلها ، والضمير محذوف تقديره : من عنده .

و ( بالحق ) : حال من الكتاب . و ( مصدقا ) : إن شئت جعلته حالا ثانيا ، وإن شئت جعلته بدلا من موضع قوله " بالحق " ، وإن شئت جعلته حالا من الضمير في المجرور .

( التوراة ) : فوعلة ، من ورى الزند يري إذا ظهر منه النار ; فكأن التوراة ضياء من الضلال ، فأصلها وورية ، فأبدلت الواو الأولى تاء ، كما قالوا تولج ، وأصله وولج ، وأبدلت الياء ألفا لتحركها ، وانفتاح ما قبلها .

وقال الفراء : أصلها تورية على تفعلة كتوصية ، ثم أبدل من الكسرة الفتحة فانقلبت الياء ألفا ، كما قالوا في ناصية ناصاة ، ويجوز إمالتها لأن أصل ألفها ياء .

( والإنجيل ) : إفعيل من النجل ، وهو الأصل الذي يتفرع عنه غيره ، ومنه سمي الولد نجلا ، واستنجل الوادي إذا نز ماؤه .

وقيل : هو من السعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ، ومنه عين نجلاء واسعة الشق ، فالإنجيل الذي هو كتاب عيسى تضمن سعة لم تكن لليهود .

وقرأ الحسن : " الأنجيل " بفتح الهمزة لا يعرف له نظير ، إذ ليس في الكلام أفعيل ، إلا أن الحسن ثقة ، فيجوز أن يكون سمعها .

و ( من قبل ) : يتعلق بأنزل ، وبنيت " قبل " لقطعها عن الإضافة ، والأصل من قبل ذلك ، فقبل في حكم بعض الاسم ، وبعض الاسم لا يستحق إعرابا .

: ( هدى ) : حال من الإنجيل والتوراة ، ولم يثن ; لأنه مصدر .

ويجوز أن يكون حالا من الإنجيل ، ودل على حال للتوراة محذوفة ، كما يدل أحد الخبرين على الآخر . و ( للناس ) : يجوز أن يكون صفة لهدى ، وأن يكون متعلقا به .

و ( الفرقان ) : فعلان من الفرق ، وهو مصدر في الأصل ، فيجوز أن يكون بمعنى الفارق أو المفروق ، ويجوز أن يكون التقدير : ذا الفرقان .

[ ص: 193 ] قوله تعالى : ( لهم عذاب ) : ابتداء وخبر في موضع خبر إن ، ويجوز أن يرتفع العذاب بالظرف .

قال تعالى : ( إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( في الأرض ) : يجوز أن يكون صفة لشيء ، وأن يكون متعلقا بيخفى .

قال تعالى : ( هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( في الأرحام ) : في متعلقة بيصور .

ويجوز أن يكون حالا من الكاف والميم ; أي يصوركم وأنتم في الأرحام مضغ .

( كيف يشاء ) : كيف في موضع نصب بيشاء ، وهو حال والمفعول محذوف ، تقديره : يشاء تصويركم .

وقيل : كيف ظرف ليشاء ، وموضع الجملة حال تقديره : يصوركم على مشيئته ; أي مريدا ، فعلى هذا يكون حالا من ضمير اسم الله .

ويجوز أن تكون حالا من الكاف والميم ; أي يصوركم متقلبين على مشيئته .

( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) : هو مثل قوله ( لا إله إلا هو الرحمن الرحيم ) [ البقرة : 163 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية