الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم كتاب فضائل القرآن باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل

                                                                                                                                                                                                        قال ابن عباس المهيمن الأمين القرآن أمين على كل كتاب قبله

                                                                                                                                                                                                        4694 حدثنا عبيد الله بن موسى عن شيبان عن يحيى عن أبي سلمة قال أخبرتني عائشة وابن عباس رضي الله عنهم قالا لبث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين [ ص: 619 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 619 ] بسم الله الرحمن الرحيم 66 - كتاب فضائل القرآن ( كتاب فضائل القرآن ) ثبتت البسملة و " كتاب " لأبي ذر ووقع لغيره " فضائل القرآن " حسب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل ) كذا لأبي ذر " نزل " بلفظ الفعل الماضي ، ولغيره " كيف [ ص: 620 ] نزول الوحي " بصيغة الجمع ، وقد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة " إن الحارث بن هشام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يأتيك الوحي " في أول الصحيح ، وكذا أول نزوله في حديثها " أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة " لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بدئ لأن النزول يقتضي وجود من ينزل به ، وأول ذلك مجيء الملك له عيانا مبلغا عن الله بما شاء من الوحي ، وإيحاء الوحي أعم من أن يكون بإنزال أو بإلهام ، سواء وقع ذلك في النوم أو في اليقظة . وأما انتزاع ذلك من أحاديث الباب فسأذكره إن شاء الله تعالى عند شرح كل حديث منها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن عباس : المهيمن : الأمين ، القرآن أمين على كل كتاب قبله ) تقدم بيان هذا الأثر وذكر من وصله في تفسير سورة المائدة ، وهو يتعلق بأصل الترجمة وهي فضائل القرآن ، وتوجيه كلام ابن عباس أن القرآن تضمن تصديق جميع ما أنزل قبله ، لأن الأحكام التي فيه إما مقررة لما سبق وإما ناسخة - وذلك يستدعي إثبات المنسوخ - وإما مجددة ، وكل ذلك دال على تفضيل المجدد . ثم ذكر المصنف في الباب ستة أحاديث .

                                                                                                                                                                                                        الأول والثاني حديثا ابن عباس وعائشة معا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن شيبان ) هو ابن عبد الرحمن ، ويحيى هو ابن أبي كثير ، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لبث النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين ينزل عليه القرآن وبالمدينة عشر سنين ) كذا للكشميهني ، ولغيره " وبالمدينة عشرا " بإبهام المعدود ، وهذا ظاهره أنه - صلى الله عليه وسلم - عاش ستين سنة إذا انضم إلى المشهور أنه بعث على رأس الأربعين ، لكن يمكن أن يكون الراوي ألغى الكسر كما تقدم بيانه في الوفاة النبوية ، فإن كل من روي عنه أنه عاش ستين أو أكثر من ثلاث وستين جاء عنه أنه عاش ثلاثا وستين ، فالمعتمد أنه عاش ثلاثا وستين ، وما يخالف ذلك إما أن يحمل على إلغاء الكسر في السنين ، وإما على جبر الكسر في الشهور ، وأما حديث الباب فيمكن أن يجمع بينه وبين المشهور بوجه آخر ، وهو أنه بعث على رأس الأربعين ، فكانت مدة وحي المنام ستة أشهر إلى أن نزل عليه الملك في شهر رمضان من غير فترة ، ثم فتر الوحي ، ثم تواتر وتتابع ، فكانت مدة تواتره وتتابعه بمكة عشر سنين من غير فترة ، أو أنه على رأس الأربعين قرن به ميكائيل أو إسرافيل فكان يلقي إليه الكلمة أو الشيء مدة ثلاث سنين كما جاء من وجه مرسل ، ثم قرن به جبريل فكان ينزل عليه بالقرآن مدة عشر سنين بمكة . ويؤخذ من هذا الحديث مما يتعلق بالترجمة أنه نزل مفرقا ولم ينزل جملة واحدة ، ولعله أشار إلى ما أخرجه النسائي وأبو عبيد والحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال : " أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة وقرأ : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث الآية " وفي رواية للحاكم والبيهقي في الدلائل " فرق في السنين " وفي أخرى صحيحة لابن أبي شيبة والحاكم أيضا " وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ، فجعل جبريل ينزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - " وإسناده صحيح ، ووقع في " المنهاج للحليمي " : أن جبريل كان ينزل منه من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى السماء الدنيا قدر ما ينزل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - في تلك السنة إلى ليلة القدر التي تليها ، إلى أن أنزله كله في عشرين ليلة من عشرين سنة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ، وهذا أورده ابن الأنباري من طريق ضعيفة ومنقطعة أيضا وما تقدم من أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ثم أنزل بعد ذلك مفرقا هو الصحيح المعتمد وحكى الماوردي في تفسير ليلة القدر أنه نزل من اللوح المحفوظ جملة واحدة وأن [ ص: 621 ] الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة وأن جبريل نجمه على النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرين سنة ، وهذا أيضا غريب ، والمعتمد أن جبريل كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان بما ينزل به عليه في طول السنة ، كذا جزم به الشعبي فيما أخرجه عنه أبو عبيد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، وسيأتي مزيد لذلك بعد ثلاثة أبواب . وقد تقدم في بدء الوحي أن أول نزول جبريل بالقرآن كان في شهر رمضان ، وسيأتي في هذا الكتاب أن جبريل كان يعارض النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقرآن في شهر رمضان ، وفي ذلك حكمتان : إحداهما تعاهده ، والأخرى تبقية ما لم ينسخ منه ورفع ما نسخ ، فكان رمضان ظرفا لإنزاله جملة وتفصيلا وعرضا وأحكاما . وقد أخرج أحمد والبيهقي في " الشعب " عن واثلة بن الأسقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت منه ، والزبور لثمان عشرة خلت منه ، والقرآن لأربع وعشرين خلت من شهر رمضان " . وهذا كله مطابق لقوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولقوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر فيحتمل أن تكون ليلة القدر في تلك السنة كانت تلك الليلة ، فأنزل فيها جملة إلى سماء الدنيا ، ثم أنزل في اليوم الرابع والعشرين إلى الأرض أول اقرأ باسم ربك ويستفاد من حديث الباب أن القرآن نزل كله بمكة والمدينة خاصة ، وهو كذلك ، لكن نزل كثير منه في غير الحرمين حيث كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر حج أو عمرة أو غزاة ، ولكن الاصطلاح أن كل ما نزل قبل الهجرة فهو مكي ، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني ، سواء نزل في البلد حال الإقامة أو في غيرها حال السفر ، وسيأتي مزيد لذلك في " باب تأليف القرآن " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية