الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                            كتاب العتق

                                                                                                                                            باب عتق الشرك في الصحة والمرض والوصايا في العتق

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : ( من أعتق شركا له في عبد ، وكان له مال يبلغ قيمة العبد ، قوم عليه قيمة عدل ، وأعطى شركاءه حصصهم ، وعتق العبد ، وإلا فقد عتق ما عتق ) وهكذا روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إنما عتق العبيد والإماء من القرب التي تتردد بين وجوب وندب ، والأصل فيه قول الله تعالى : فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة . ( البلد : 13 : 1 ) يعني عتق رقبة من الرق .

                                                                                                                                            وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : في جهنم عقبة لا يقتحمها إلا من فك رقبة .

                                                                                                                                            وقال تعالى : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك يعني زيد بن حارثة ، أنعم الله عليه بالإسلام ، وأنعم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتق : ولذلك سمي المولى المعتق منعما . وقال الله تعالى فيما أوجبه من كفارة القتل : " فتحرير رقبة مؤمنة " ( النساء : 92 ) ، وفيما أوجبه من كفارة الظهار " فتحرير رقبة " ، وفي الكتابة المفضية إلى العتق " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " ( النور : 33 ) ، وروي عن ابن عيينة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : من أعتق رقبة مؤمنة كانت فداءه من النار .

                                                                                                                                            وروى واثلة بن الأسقع ، وعبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار .

                                                                                                                                            وروي أن عائشة رضي الله عنها نذرت أن تعتق عشرة من بني إسماعيل ، فسبي قوم من بني تميم ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : إن سرك أن تعتقي الصميم من ولد إسماعيل فأعتقي هؤلاء . .

                                                                                                                                            [ ص: 4 ] وأعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان ، وشقران ، وثوبان ، وزيد بن حارثة . واشترى أبو بكر ، رضي الله عنه ، بلالا ، وكان يعذب على الإسلام ، فأعتقه لوجه الله تعالى ، فقال فيه عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه : " بلال سيدنا وعتيق سيدنا " .

                                                                                                                                            وفي قوله : " بلال سيدنا " ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : قوله صلى الله عليه وسلم : سيد القوم خادمهم .

                                                                                                                                            والثاني : لسابقته في الإسلام ، وأنه كان من المعذبين فيه .

                                                                                                                                            والثالث : أنه قصد به التواضع وكسر النفس .

                                                                                                                                            وقد أعتق عمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم عبيدا وإماء ، وكذلك أهل الثروة من الصحابة ، رضي الله عنهم ، في عصر الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وبعده ، فدل على فضل العتق ، فقيل يا رسول الله : أي الرقاب أفضل ؟ قال : أكثرها ثمنا وأنفسها عند أهلها ، ولأن في العتق فكا من ذل الرق بعز الحرية ، وكمال الأحكام بعد نقصانها ، والتصرف في نفسه بعد المنع منه ، وتملك المال بعد حظره عليه ، فكان من أفضل القرب من المعتق ، وأجزل النعم على المعتق ، ولأن الله تعالى كفر به الذنوب ، وجبر به المآثم ، ومحا به الخطايا ، وما هو بهذه الحال فهو عند الله عظيم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية