الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1828 [ ص: 257 ] مالك عن صيفي ، حديث واحد

وهو صيفي بن زياد ، يكنى أبا زياد مولى ابن أفلح ، مولى أبي أيوب الأنصاري رحمه الله ، وقيل : صيفي هذا يكنى : أبا سعيد ، يقال فيه : مولى ابن أفلح ، ويقال : مولى أفلح ، مولى أبي أيوب الأنصاري ، ويقال : مولى الأنصار ، ويقال : مولى أبي السائب ، ومولى ابن السائب ، والصواب قول من قال : مولى ابن أفلح . كنيته أبو زياد ، وهو رجل من أهل المدينة ، روى عنه مالك ، وابن عجلان ، وسعيد المقبري ، وسعيد بن أبي هلال ، وابن أبي ذئب ، وسعيد بن أبي هند ، ولا أعلم له رواية إلا عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة .

مالك ، عن صيفي مولى ابن أفلح ، عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة ، أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري ، فوجدته يصلي ، فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت [ ص: 258 ] تحريكا تحت سريره في بيته ، فإذا حية ، فقمت لأقتلها فأشار إلي أبو سعيد أن اجلس ، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال : أترى هذا البيت ؟ قلت : نعم . قال : إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس ، فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق ، فبينا هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي حتى أحدث بأهلي عهدا ، فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : خذ عليك سلاحك ، فإني أخشى عليك بني قريظة ، فانطلق الفتى إلى أهله ، فوجد امرأته قائمة بين البابين ، فأهوى إليها بالرمح ليطعنها - وأدركته غيرة - فقالت : لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك ، فدخل فإذا هو بحية منطوية على فراشه ، فركز فيها رمحه ، ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح ، وخر الفتى ميتا ، فما يدرى [ ص: 259 ] أيهما كان أسرع موتا : الفتى أم الحية ، فذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن بالمدينة جنا قد أسلموا ، فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام ، فإن بدا لكم بعد ذلك ، فاقتلوه فإنما هو شيطان .

التالي السابق


هكذا قال مالك في هذا الحديث عن صيفي مولى ابن أفلح ، وذكره الحميدي عن ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن صيفي مولى أبي السائب ، عن رجل ، قال : أتيت أبا سعيد الخدري أعوده ، فسمعت تحريكا تحت سريره ، فنظرت فإذا حية ، فأردت أن أقتلها ، وذكر الحديث نحو حديث مالك إلا أنه قد غلط في قوله فيه : مولى أبي السائب ، ولم يقم إسناده ، وقال فيه : عن رجل ، وإنما هو صيفي عن أبي السائب ، ورواه يحيى القطان عن ابن عجلان ، عن صيفي ، عن ابن السائب ، عن أبي سعيد الخدري - مختصرا ، حدثناه عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسوي ، قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، قال : حدثني صيفي ، عن أبي السائب ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن بالمدينة [ ص: 260 ] نفرا من الجن أسلموا ، فمن رأى شيئا من هذه العوامر فليؤذنه ثلاثا ، فإن بدا له بعد فليقتله ، فإنما هو شيطان .

وحدثناه عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ، فذكره بإسناده سواء .

حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني محمد بن عجلان ، عن صيفي أبي سعيد مولى الأنصار ، عن أبي السائب أنه قال : أتينا أبا سعيد الخدري ، فبينا أنا عنده جالس سمعت تحت سريره تحرك شيء ، فنظرت فإذا حية فقمت ، فقال أبو سعيد : ما لك ؟ فقلت : حية هاهنا . قال : فتريد ماذا ؟ قال : أريد قتلها ، قال : فأشار إلى بيت في داره تلقاء بيته ، وقال : ابن عم له كان في هذا البيت ، فلما كان يوم الأحزاب استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أهله ، وكان حديث عهد بعرس ، فأذن له وأمره أن يذهب بسلاحه معه ، فأتى داره فوجد امرأته قائمة على باب البيت ، فأشار إليها بالرمح ، قالت : لا تعجل حتى تنظر ما أخرجني ، فدخل البيت ، فإذا حية منكرة ، فقطعها بالرمح ، ثم خرج بها في الرمح ترتكض ، فلا أدري أيهما كان أسرع موتا : الرجل أو الحية ؟ فأتى قومه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ادع الله أن يرد صاحبنا ، فقال : استغفروا لصاحبكم ، ثم قال : إن نفرا من الجن [ ص: 261 ] بالمدينة أسلموا ، فإذا رأيتم أحدا منهم فحذروه ثلاثة أيام ، ثم إن بدا لكم أن تقتلوه فاقتلوه .

قال أبو عمر : رواية الليث لهذا الحديث عن ابن عجلان كرواية مالك في إسناده ومعناه ، ولا يضر اختلافهما في ولاء أبي سعيد صيفي ، إذ قال مالك : مولى ابن أفلح ، وقال فيه الليث عن ابن عجلان ، عن صيفي مولى الأنصار ، وكذلك هو مولى الأنصار ، إلا أنه لم يحفظ لمن ولاؤه من الأنصار ، وقد جوده مالك في قوله : مولى ابن أفلح ، وكذلك من قال فيه : مولى أفلح ; لأن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري ، وأما قول ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن صيفي مولى أبي السائب فلم يصنع شيئا ، ولم يقم الإسناد ; إذ جعله مولى أبي السائب ، عن رجل ، وإنما هو مولى ابن أفلح ، عن أبي السائب ، كذلك قال مالك ، عن صيفي ، عن أبي السائب ، وكذلك قال الليث ، ويحيى القطان ، عن ابن عجلان ، عن صيفي ، عن أبي السائب ، ومن قال في هذا الحديث عن ابن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن صيفي فقد أفرط في التصحيف والخطأ ، كذلك رواه علي بن حرب ، عن ابن عيينة ، عن ابن عجلان ، وهذا لا خفاء به عند أهل العلم بالحديث ، وإنما هو عن أبي سعيد صيفي ، ولا معنى لذكر سعيد بن أبي سعيد هنا ، ومن رواه أيضا عن صيفي ، عن أبي سعيد الخدري فليس بشيء وقد قطعه ; لأن صيفيا لم [ ص: 262 ] يسمعه من أبي سعيد ، وإنما يرويه عن أبي السائب ، عن أبي سعيد الخدري ، وقد روي هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من غير رواية صيفي ، إلا أنه مختصر ، نحو رواية القطان عن ابن عجلان ، عن صيفي : حدثنا خلف بن قاسم ، قال : حدثنا بكر بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان ، قال : حدثنا عمرو بن خالد ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الله بن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا آذاكم شيء من الحيات في مساكنكم فحرجوا عليهن ثلاث مرات ، فإن عاد بعد ثلاث فاقتلوه ; فإنما هو شيطان .

وقد روي مثل حديث أبي سعيد الخدري هذا من حديث سهل بن سعد الساعدي ، حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن غالب ، وزكرياء بن يحيى الناقد - واللفظ لمحمد بن غالب - قال : حدثنا خالد بن خداش ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد أن فتى من الأنصار كان حديث عهد بعرس وأنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فرجع من الطريق ، فإذا هو بامرأته قائمة في الحجرة ، فمد إليها الرمح ، فقالت : ادخل فانظر ما في البيت ، فدخل فإذا هو بحية [ ص: 263 ] منطوية على فراشه ، فانتظمها برمحه ، وركز الرمح في الدار ، فانتفضت الحية وماتت ومات الرجل ، قال : فذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنه قد نزل في المدينة جن مسلمون ، أو قال : إن لهذه البيوت عوامر - شك خالد - فإذا رأيتم شيئا منها فتعوذوا ، فإن عاد فاقتلوه .

قال أبو عمر : قال قوم : لا يلزم أن تؤذن الحيات ، ولا تناشدن ، ولا يحرج عليهن إلا بالمدينة خاصة ; لهذا الحديث وما كان مثله لأنه خص المدينة بالذكر ، وممن قال ذلك : عبد الله بن نافع الزبيري ، قال : لا تنذر عوامر البيوت إلا بالمدينة خاصة ، قال : وهو الذي يدل عليه حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوله : إن بالمدينة جنا قد أسلموا وقال آخرون : المدينة وغيرها في ذلك سواء ; لأن من الحيات جنا ، وجائز أن يكن بالمدينة وغيرها ، وأن يسلم من شاء الله منهن .

قال مالك : أحب إلي أن تنذر عوامر البيوت بالمدينة وغيرها ثلاثة أيام ، ولا تنذرن في الصحاري .

قال أبو عمر : العلة الظاهرة في الحديث إسلام الجن ، والله أعلم ، إلا أن ذلك شيء لا يوصل إلى شيء من معرفته ، والأولى أن تنذر عوامر البيوت كلها كما قال مالك [ ص: 264 ] والإنذار أن يقول الذي يرى الحية في بيته : أحرج عليك أيتها الحية بالله واليوم الآخر أن تظهري لنا أو تؤذينا .

وقد روى عباد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : بينا أنا بعبادان ، إذ جاءني رسول زوجتي ، فقال : أجب فلانة ، واستنكرت ذلك ، ثم قمت فدخلت ، فقالت لي : إن هاهنا الحية - وأشارت إليها - كنت أراها بالبادية إذا خلوت ، ثم مكثت لا أراها حتى رأيتها الآن وهي هي أعرفها بعينها ، قال : فخطب سعد خطبة ، حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنك قد آذيتني ، وإني أقسم بالله لئن رأيتك بعد هذه لأقتلنك ، فخرجت الحية ، انسابت من باب البيت ، ثم من باب الدار ، فأرسل معها سعد إنسانا ، فقال : انظر أين تذهب ؟ فتبعها حتى جاءت المسجد ، ثم جاءت منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علته فرقته ، ثم صعدت إلى السماء حتى غابت .

حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال حدثنا محمد بن معاوية ، وحدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا الحسين بن منصور النيسابوري ، قال : حدثنا مالك بن سعير بن الخمس ، قال : حدثنا ابن أبي ليلى عن ثابت البناني ، عن عبد الرحمن بن أبي [ ص: 265 ] ليلى أنه ذكرعنده حيات البيوت ، فقال : إذا رأيتم منها شيئا في مساكنكم فقولوا : أنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم نوح عليه السلام ، وأنشدكم بالعهد الذي أخذ عليكم سليمان عليه السلام ، فإذا رأيتم منهن شيئا بعد ذلك فاقتلوه .

حدثنا أحمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا بحر بن نصر ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن أبي الزاهرية ، عن جبير بن نفير ، عن أبي ثعلبة الخشني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : الجن على ثلاثة أثلاث : فثلث لهم أجنحة يطيرون في الهواء ، وثلث حيات وكلاب ، وثلث يحلون ويظعنون .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم بن جامع ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا داود ، قال : حدثنا أبو نضرة ، أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن رجلا من الأنصار خرج عشاء من أهله يريد مسجد قومه فاستطير ، فالتمس فلم يوجد ، فانطلقت امرأته إلى عمر بن الخطاب ، فذكرت ذلك له ، فدعا بقومه فسألهم عنه ، فحدثوه بمثل ما حدثته امرأته ، فقال لهم : أما سمعتم منه ذكرا بعد ؟ قالوا : لا ، فأمرها أن [ ص: 266 ] تتربص أربع سنين ، ففعلت ، ثم أتته فأخبرته أنها لم يذكر لها منه ذكر ، فدعا قومه فسألهم عن ذلك ، فقالوا : ما ذكر لنا منه ذكر ، فأمرها أن تعتد منه ، فاعتدت ثم جاءته فأمرها أن تتزوج إن شاءت ، فتزوجت ثم جاء زوجها الأول بعد ذلك فقال : زوجت امرأتي ؟ فقال عمر : لم أفعل ، ودعاها عمر فقالت : أنا المرأة التي أخبرتك بذهاب زوجي ، فأمرتني أن أتربص أربع سنين ، ففعلت ثم أتيتك فأمرتني أن أعتد فاعتددت ثم جئتك ، فأمرتني أن أتزوج ففعلت ، فقال عمر : ينطلق أحدكم فيغيب عن أهله أربع سنين ، ليس بغاز ولا تاجر ، فقال له الرجل : إني خرجت عشاء من أهلي أريد مسجد قومي فاستبتني الجن ، فكنت فيهم حتى غزاهم جن مسلمون فأصابوني في السبي ، فسألوني عن ديني ، فأخبرتهم أني مسلم ، فخيروني بين أن يردوني إلى قومي وبين أن أمكث معهم ويواسوني ، فاخترت أن يردوني إلى قومي ، فبعثوا معي نفرا ، أما الليل فرجال يحدثوني ، وأما النهار فأعصار ريح اتبعها حتى هبطت إليكم ، فقال له عمر : فما كان طعامك فيهم ؟ فقال : ما لم يذكر اسم الله عليه وهذا الفول ، فخيره عمر بين المهر والمرأة .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال حدثنا بكير بن الحسن بن عبد الله بن سلمة الرازي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي الباكسالي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن [ ص: 267 ] أبي سنان ، عن أبي منيب ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : خلق الله الجن ثلاثة أثلاث : فثلث كلاب وحيات وخشاش الأرض ، وثلث ريح هفافة ، وثلث كبني آدم لهم الثواب وعليهم العقاب ، وخلق الله الإنس ثلاثة أثلاث : فثلث لهم قلوب لا يفقهون بها ، وأعين لا يبصرون بها ، وآذان لا يسمعون بها ، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ، وثلث أجسادهم أجساد بني آدم ، وقلوبهم قلوب شياطين ، وثلث في ظل الله يوم القيامة .

وروينا من وجوه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قتلت جنانا ، فأريت في المنام أن قائلا يقول لها : قد قتلت مسلما ، فقالت : لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ما دخل عليك إلا عليك ثيابك ، فأصبحت فأمرت باثني عشر ألف درهم ، فجعلت في سبيل الله .

قال أبو عمر : الغول وجمعها أغوال ، والسعلاة وجمعها السعالى - ضربان من الجن ، ونوع من شياطينهن ، قالوا : إنها تتصور صورا كثيرة في القفار أمام الرفاق وغيرها ، فتطول مرة وتصغر أخرى ، وتقبح مرة وتحسن أخرى ، مرة في صورة بنات آدم وبني آدم ، ومرة في صورة الدواب وغير ذلك كيف شاءت ، قال كعب بن زهير :

فما تدوم على حال تكون بها كما تغول في أثوابها الغول

[ ص: 268 ] وفي الحديث المرفوع : إذا تغولت الغيلان فأذنوا بالصلاة أي : إذا شبهت عليكم الطريق فأذنوا تهتدوا .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسوي ، قال : أخبرنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا هشام ، عن الحسن ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عليكم بالدلجة ، فإن الأرض تطوى بالليل ، وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان . مختصرا .

وأما قوله في حديث عائشة : قتلت جنانا . فروي عن ابن عباس أنه قال : الجنان مسخ الجن ، كما مسخت القردة من بني إسرائيل ، وقد روي عن ابن عمر مثله .

وقال الخليل : الجنان : الحية ، وقال نفطويه : الجنان : الحيات وأنشد للخطفي جد جرير

أعناق جنان وهاما رجفا

وقال غيره :

تبدل حالا بعد حال عهدته تناوح جنان بهن وخيل

[ ص: 269 ] قال ابن أبي ليلى : الجنان الذين لا يعرضون للناس ، والخيل : الذين يتخيلون للناس ويؤذونهم .

أخبرنا عبد الله حدثنا حمزة ، حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرني إبراهيم بن يعقوب ، قال : حدثنا الحسن بن موسى ، قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن الحضرمي بن لاحق ، عن محمد ، قال : وكان أبي بن كعب جد محمد ، قال : كان لأبي بن كعب جرن من طعام .

وحدثنا عبد الله ، حدثنا حمزة ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا معاذ بن هانئ ، قال : حدثني حرب بن شداد ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني الحضرمي بن لاحق التميمي ، قال : حدثني محمد بن أبي بن كعب ، قال : كان لجدي جرن من طعام ، وكان يتعاهده ، فوجده ينقص ، فحرسه ذات ليلة ، فإذا هو بدابة تشبه الغلام المحتلم ، فسلم فرد عليه السلام ، فقال : من أنت ؟ أجن أم إنس ؟ قال : بل جن . قال : أعطني يدك ، فأعطاه فإذا يد كلب وشعر كلب ، قال : هكذا خلق الجن ، قال : قد علمت الجن أنه ما فيهم أشد مني ، قال : ما شأنك ؟ قال : أنبئت أنك رجل تحب الصدقة ، فأحببنا أن نصيب من طعامك ، قال : ما يجير [ ص: 270 ] منكم ؟ قال : هذه الآية في سورة البقرة ، آية الكرسي ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ) إذا قلتها حين تصبح أجرت منا حتى تمسي ، وإذا قلتها حين تمسي أجرت منا حتى تصبح ، فغدا أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره خبره فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدق الخبيث .

ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ، عن ابن أبي بن كعب ، أن أباه أخبره أنه كان لهم جرن من تمر ، وساق الحديث بمثل ما تقدم ، ولم يذكر في إسناده الحضرمي بن لاحق .




الخدمات العلمية