الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          كتاب الاستسقاء

                                                                                                          باب العمل في الاستسقاء

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم أنه سمع عباد بن تميم يقول سمعت عبد الله بن زيد المازني يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة وسئل مالك عن صلاة الاستسقاء كم هي فقال ركعتان ولكن يبدأ الإمام بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين ثم يخطب قائما ويدعو ويستقبل القبلة ويحول رداءه حين يستقبل القبلة ويجهر في الركعتين بالقراءة وإذا حول رداءه جعل الذي على يمينه على شماله والذي على شماله على يمينه ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه ويستقبلون القبلة وهم قعود [ ص: 646 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 646 ] 13 - كتاب الاستسقاء .

                                                                                                          1 - باب العمل في الاستسقاء

                                                                                                          أي : الدعاء لطلب السقيا - بضم السين - وهي المطر من الله تعالى ، ثم الجدب على وجه مخصوص .

                                                                                                          448 449 - ( مالك ، عن عبد الله ) بن محمد ( بن أبي بكر بن عمرو ) بفتح العين ( ابن حزم ) المدني قاضيها ( أنه سمع عباد ) بفتح المهملة وشد الموحدة ( ابن تميم ) بن غزية الأنصاري ( المازني ) المدني التابعي ، ويقال له رؤية ( يقول : سمعت عبد الله بن زيد ) بن عاصم بن كعب ( المازني ) مازن الأنصار صاحب حديث الوضوء ، لا عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب رؤيا الأذان كما زعم ابن عيينة ، وقد وهمه البخاري ( يقول : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى ) لأنه أبلغ في التواضع ، وأوسع للناس ( فاستسقى ) في شهر رمضان سنة ست من الهجرة كما أفاده ابن حبان ، زاد سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر بإسناده : وصلى ركعتين ، واتفق فقهاء الأمصار على مشروعية صلاة الاستسقاء ، وأنها ركعتان يجهر فيهما بالقراءة .

                                                                                                          وقال أبو حنيفة والنخعي وطائفة من التابعين : لا يصلى له ، وإنما فيه بروز للدعاء والتضرع خاصة ؛ لأن مالكا ونحوه لم يروا الصلاة ، قال ابن عبد البر : وليس ذلك حجة على من رواها ، فالحجة في قول من أثبت وحفظ ، قال : وأجمعوا على استحباب الخروج إلى الاستسقاء والبروز عن المصر والضراعة في نزول الغيث .

                                                                                                          وحكى القرطبي ، عن أبي حنيفة أنه لا يستحب الخروج ، قال الحافظ : وكأنه اشتبه عليه بقوله في الصلاة ( وحول رداءه ) وكان طوله ستة أذرع في عرض ثلاثة ، وطول إزاره أربعة أذرع وشبرين في ذراعين وشبر ، كان يلبسهما في الجمعة والعيدين ، ذكره الواقدي .

                                                                                                          وفي شرح الأحكام لابن بزيزة : درع الرداء كالذي ذكر الواقدي في ذرع الإزار ، والأول أولى ( حين استقبل القبلة ) أفاد أن [ ص: 647 ] التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء .

                                                                                                          وللبخاري من رواية الزهري ، عن عباد : فقام فدعا الله قائما ، ثم توجه قبل القبلة وحول رداءه .

                                                                                                          واختلف في حكمة هذا التحويل ، فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه ، وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه ، قال : وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه ، قيل له : حول رداءك ليتحول حالك ، وتعقب بأن ما جزم به يحتاج لنقل ، وما رده ورد فيه حديث جابر برجال ثقات عند الدارقطني والحاكم ، ورجح الدارقطني إرساله ، وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن .

                                                                                                          وقيل : إنما حوله ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء ، فلا يكون مستحبا في كل حال ، ورد بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق ، فالحمل على المعنى الأول أولى من تركه ، فالاتباع أولى من مجرد احتمال الخصوص ، ولم أقف في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد على سبب خروجه ، ولا على صفته - صلى الله عليه وسلم - حال الذهاب إلى المصلى ، ولا على وقت ذهابه ، ووقع ذلك في حديث عائشة عند أبي داود بن حبان : " شكا الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قحط المطر ، فأمر بمنبر وضع له في المصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر " الحديث .

                                                                                                          وفي حديث ابن عباس عند أحمد وأصحاب السنن : " فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - متبذلا متواضعا متضرعا ، حتى أتى المصلى فرقي المنبر " ، وفي حديث أبي الدرداء عند البزار والطبراني : " قحط المطر فسألنا نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أن يستسقي لنا ، فغدا نبي الله " الحديث ، ذكره في فتح الباري ، وهذا الحديث رواه مسلم ، عن يحيى ، عن مالك به ، وتابعه سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي بكر بنحوه في الصحيحين .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن صلاة الاستسقاء كم هي ؟ فقال : ركعتان ) كما صح في الأحاديث ( ولكن يبدأ الإمام بالصلاة قبل الخطبة ) كما صرح به في حديث عبد الله بن زيد عند أحمد ، وكذا في حديث أبي هريرة عند ابن ماجه حيث قال : فصلى بنا ركعتين بغير أذان ولا إقامة .

                                                                                                          وقيل : بتقديم الخطبة على الصلاة ، وهو مقتضى حديث عائشة وابن عباس السابقين ، وبه قال الليث ومالك ، ثم رجع عنه إلى ما في الموطأ وهو المرجح عند المالكية والشافعية ، قال القرطبي : ويعضده مشابهتهما بالعيد ، وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة ، قال الحافظ : ويمكن الجمع بين مختلف الروايات بأنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ، ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شيء وبعضهم على شيء .

                                                                                                          ( فيصلي ركعتين ) وهو إجماع عند من قال بالصلاة وبكونها في المصلى ( ثم يخطب قائما ) خطبتين يجلس بينهما ، وبه قال الشافعي خلافا لأبي يوسف ومحمد في أنها واحدة [ ص: 648 ] ( ويدعو ) قائما ، قال ابن بطال : حكمته كونه حال خشوع وإنابة فناسبه القيام ، وقال غيره : القيام شعار الاعتناء والاهتمام ، والدعاء أهم أعمال الاستسقاء .

                                                                                                          وفي الصحيح عن عبد الله بن زيد : " أنه - صلى الله عليه وسلم - خرج بالناس يستسقي لهم ، فقام فدعا الله قائما ثم توجه قبل القبلة ، وحول رداءه فسقوا " ( ويستقبل القبلة ) إذا فرغ من الخطبة ؛ رواه ابن القاسم ، وروى علي في أثناء خطبته واختاره أصبغ ، وحمل ابن العربي الاستقبال على حالة الصلاة ، ثم قال : يحتمل أن ذلك خاص بدعاء الاستسقاء ولا يخفى ما فيه ، ويرده قوله : ( ويحول رداءه حين يستقبل القبلة ويجهر في الركعتين بالقراءة ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - جهر فيهما بالقراءة كما في الصحيح من حديث عبد الله بن زيد ، وحكى ابن بطال الإجماع عليه ؛ أي : إجماع من قال بالصلاة ، قال الحافظ : ولم يقع في شيء من طرق حديث عبد الله بن زيد صفة الصلاة المذكورة ولا يقرأ فيها ، وللدارقطني ، عن ابن عباس أنه يكبر فيهما سبعا وخمسا كالعيد ، وأنه يقرأ فيهما بـ " سبح " و " هل أتاك " ، وفي إسناده مقال ، لكن أصله في السنن بلفظ : ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيدين ، فأخذ بظاهره الشافعي فقال : يكبر فيهما ، انتهى .

                                                                                                          ولم يأخذ به مالك لضعف الرواية المصرحة بالتكبير ، ولما يطرق الثانية من احتمال نقص التشبيه .

                                                                                                          ( وإذا حول رداءه جعل الذي على يمينه على شماله والذي على شماله على يمينه ) كما فعل - صلى الله عليه وسلم - عند أبي داود في حديث عبد الله بن زيد بلفظ : فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن ، والجمهور على استحباب التحويل فقط بلا تنكيس ، واستحبه الشافعي في الجديد لما في أبي داود : " استسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ بأسفلها فيجعله أعلاها ، فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه " إذ مفهومه لو لم تثقل عليه لنكس ، ولم يأخذ بذلك الجمهور لانفراد راويها بها في حديث ابن زيد .

                                                                                                          وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شيء من ذلك .

                                                                                                          ( ويحول الناس أرديتهم إذا حول الإمام رداءه ) لما في حديث عبد الله بن زيد عند أحمد بلفظ : " وحول الناس معه - عليه السلام - " ( ويستقبلون القبلة وهم قعود ) وقال الليث وأبو يوسف : يحول الإمام وحده ، واستثنى ابن الماجشون النساء فقال : لا يستحب في حقهن .




                                                                                                          الخدمات العلمية