الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد

                                                                                                                                                                                                كان شعيب -عليه السلام- كثير الصلوات ، وكان قومه إذا رأوه يصلي تغامزوا وتضاحكوا، فقصدوا بقولهم: أصلاتك تأمرك : السخرية والهزء، والصلاة وإن جاز أن تكون آمرة على طريق المجاز، كما كانت ناهية في قوله: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [العنكبوت: 45]، وأن يقال: إن الصلاة تأمر بالجميل والمعروف، كما يقال: تدعو إليه وتبعث عليه إلا أنهم ساقوا الكلام مساق الطنز، وجعلوا الصلاة [ ص: 226 ] آمرة على سبيل التهكم بصلاته، وأرادوا أن هذا الذي تأمر به من ترك عبادة الأوثان باطل لا وجه لصحته، وأن مثله لا يدعوك إليه داعي عقل، ولا يأمرك به آمر فطنة، فلم يبق إلا أن يأمرك به آمر هذيان ووسوسة شيطان، وهو صلاتك التي تداوم عليها في ليلك ونهارك، وعندهم أنها من باب الجنون، ومما يتولع به المجانين والموسوسون من بعض الأقوال والأفعال، ومعنى تأمرك: "أن نترك": تأمرك بتكليف أن نترك، ما يعبد آباؤنا : لحذف المضاف الذي هو التكليف، لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره، وقرئ "أصلاتك": بالتوحيد، وقرأ ابن أبي عبلة "أو أن تفعل في أموالنا ما تشاء" بتاء الخطاب فيهما، وهو ما كان يأمرهم به من ترك التطفيف والبخس، والاقتناع بالحلال القليل من الحرام الكثير، وقيل: كان ينهاهم عن حذف الدراهم والدنانير وتقطيمها، وأرادوا بقولهم: إنك لأنت الحليم الرشيد : نسبته إلى غاية السفه والغي، فعكسوا ليتهكموا به، كما يتهكم بالشحيح الذي لا يبض حجره، فيقال له: لو أبصرك حاتم لسجد لك . وقيل: معناه: إنك للمتواصف بالحلم والرشد في قومك، يعنون أن ما تأمر به لا يطابق حالك وما شهرت به .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية