الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
[ ص: 2 ] الفرق الحادي والمائتان بين قاعدة القرض وقاعدة البيع )

اعلم أن قاعدة القرض خولفت فيها ثلاث قواعد شرعية : قاعدة الربا إن كان في الربويات كالنقدين والطعام وقاعدة المزابنة ، وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات وقاعدة بيع ما ليس عندك في المثليات ، وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف للعباد فلذلك متى خرج عن باب المعروف امتنع إما لتحصيل منفعة المقرض أو لتردده بين الثمن والسلف لعدم تعين المعروف مع تعين المحذور ، وهو مخالفة القواعد .

( سؤال ) العارية معروف كالقرض ، وإذا وقعت إلى أجل بعوض جازت ، وإن خرجت بذلك عن المعروف فلم لا يكون القرض كذلك إذا خرج بالقصد إلى نفع المقرض عن المعروف يجوز .

( جوابه ) إذا وقعت العارية بعوض صارت إجارة ، والإجارة لا يتصور فيها الربا ولا تلك المفاسد الثلاث ، والقرض بالعوض بيع فيتصور فيه الربا ، وكذلك إذا وقع القرض في العروض هو ربا فيحرم للآية إلا ما خصه الدليل .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

( بسم الله الرحمن الرحيم ) الحمد لله على نعمائه المزهرة الرياض وآلائه المترعة الحياض والصلاة والسلام على سيدنا محمد الموضح محجة الدين بأبين حجة وعلى آله وأصحابه المهتدين إلى تشييد قواعد الحق وقمع كل لجة أما بعد :

فأسأل الله بوجاهة وجه نبيه الكريم أن يسهل لي تكميل هذا الجزء كما يسر لي تكميل ما قبله على أحسن تقويم .

( الفرق الحادي والمائتان بين قاعدة القرض وقاعدة البيع )

القرض في اللغة القطع ، وسمي المدلول الشرعي قرضا لأنه قطعة من مال المقرض أي ذو قطعة منه ، وفي الشرع قال المناوي تمليك شيء على أن يرد بدله ، وقال ابن عرفة دفع متمول في عوض غير مخالف له لا عاجلا تفضلا فقط لا يوجب إمكان عارية لا تحل متعلق بالذمة ا هـ .

قال [ ص: 3 ] الرهوني وكنون تبعا للشيخ على المسناوي الأولى أن يقول تمليك متمول إلخ لأن القرض يوجد قبل الدفع لأنه يلزم بالقول ا هـ قال الخرشي وأخرج بقوله متمول ما ليس بمتمول أي كقطعة نار إذ دفعه ليس بقرض إذ لا يقرض مثل ذلك ، وقوله في عوض أخرج به دفعه هبة ، وقوله غير مخالف له أي لذلك المتمول ، وقوله لا عاجلا أخرج به المبادلة المثلية فإنه يصدق الحد عليها كما يصدق على القرض الفاسد لولا أن يخص الصحيح بزيادة قوله تفضلا فقط إلخ أي حال كون الدفع تفضلا بأن يقصد المسلف نفع المتسلف فقط لا نفعه ، ولا نفعهما ، ولا نفع أجنبي بأن يقصد بالدفع لزيد نفع عمرو ، ولكون عمرو يعود عليه منفعة من ذلك القرض كأن يكون لعمرو دين على زيد فيقرض زيدا لأجل أن يدفع لعمرو دينه لأن ذلك سلف فاسد فاندفع تنظير البناني في الحد بأنه لا يشمل الصور الفاسدة ، وشأن التعريف شمول الصحيح والفاسد ا هـ .

فافهم ، وقوله لا يوجب إلخ أي حال كون الدفع لا يوجب إمكان نفس العارية التي لا تحل احترازا من قرض يوجب إمكان العارية التي لا تحل فلا يجوز قرض جارية تحل للمستقرض لما في ذلك من عارية الفروج ا هـ .

بزيادة من العدوي عليه ، وفي الرهوني وكنون قال الحطاب ويستثنى من منع قرض جارية تحل إلخ ما لو أمرت شخصا يبتاع لك عبد فلان مثلا بجاريته هذه ، ويكون عليك مثلها ، وكذا لو أمرته أن يقضي عنك دينا بها ، ويكون عليك مثلها إذ لا يتأتى فيها غاية الفروج لأنها لا تصل ليد المستقرض قال أبو الحسن ، وربما ألغزت فيقال أين يجوز قرض الجارية من غير المحرم منها فيقال في مثل هذه الصورة أي الأولى أو تقضي عنه في الدين ا هـ .

أي التي هي الصورة الثانية قال البناني في التوضيح أجاز ابن عبد الحكم في الحمديسية قرضهن أي الجواري إذا اشترط عليه أن لا يرد عينها ، وإنما يرد مثلها ثم قال وعلى هذا ، وهو نفل الموثوق بهم لا تبعد موافقته للمشهور ا هـ .

ونحوه لابن عبد السلام ا هـ .

قال الخرشي وقوله متعلق بالذمة صفة لمتمول فيجوز جره ونصبه مراعاة للفظ متمول ولمحله ا هـ قال العدوي عليه والأولى زور بما يقدم قوله متعلق على قوله لا عاجلا ، ويقرأ بالجر ا هـ وبالجملة قال البناني على عبق إن كل ما يصح أن يسلم فيه إلا الجواري يصح أن يقرض ، وكل ما يصح أن يقرض يصح أن يسلم فيه غير أن هذا العكس لا يحتاج معه إلى استثناء شيء ، ولا يصح بكل اعتبار القول بأن جلد الميتة المدبوغ يصح قرضه ، ولا يصح أن يسلم فيه كما في التوضيح ، ويؤيده قول ابن عرفة [ ص: 4 ] دفع متمول إلخ .

وأما مسألة قرض بمكيال مجهول على أن يرد مثله ، ومسألتنا قرض ويبات وحفنات فغير واردة لأن الطعام مثلا من حيث ذاته يجوز قرضه والسلم فيه ، والاختلاف من حيث الوصف لا يضر ا هـ .

قال كنون ، وقال البناني ويؤيده قول ابن عرفة إلخ لأنه جعله معاوضة ، وهذا هو الذي رجحه أبو علي قائلا ، والقرض نفس بيع كما ذكره غير واحد إلا أنه مبني على غير المكايسة فكيف يقرض ما لا يجوز بيعه ولا المبادلة فيه أي كلحم الأضحية ا هـ .

ولا يرد على قول خليل يجوز قرض ما يسلم فيه فقط إلا جارية تحل للمستقرض ا هـ العين لأنه يسلم فيها عند عبد الوهاب وعياض والباجي خلافا لابن عرفة ا هـ . وعلى هذا قول الأصل وسلمه ابن الشاط القرض وإن كان نفس بيع إلا أنه خولف فيه ثلاث قواعد شرعية

( القاعدة الأولى ) الربا إن كان في الربويات كالنقدين والطعام

( والقاعدة الثانية ) المزابنة ، وهي بيع المعلوم بالمجهول من جنسه إن كان في الحيوان ونحوه من غير المثليات

( والقاعدة الثالثة ) بيع ما ليس عندك في المثليات ، وسبب مخالفة هذه القواعد مصلحة المعروف ا هـ .

حتى قال صلى الله عليه وسلم كما أخرجه البيهقي عن أنس قرض شيء خير من صدقته ، وقال صلى الله عليه وسلم كما أخرجه ابن ماجه والبيهقي عن أنس أيضا { رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا : الصدقة بعشر أمثالها ، والقرض بثمانية عشر } ، وعزاه في الجامع الصغير للطبراني في الكبير عن أبي أمامة ، ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { دخلت الجنة فوجدت على بابها الصدقة بعشر والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل كيف صارت الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ؟ ، قال الصدقة في يد الغني والفقير ، والقرض لا يقع إلا في يد من يحتاج إليه } قال المناوي في شرحه : فيه أن درهم القرض بدرهمين صدقة ، وذلك لأن فيه تنفيس كربة وإنظارا إلى قضاء حاجته ورده ، ففيه عبادتان فكان بمنزلة درهمين ، وهما بعشرين حسنة فالتضعيف ثمانية عشر ، وهو الباقي فقط لأن القرض يسترد ، ومن ثم لو أبرئ منه كان له عشرون : ثواب الأصل والمضاعفة ، وتمسك به من فضل القرض على الصدقة ا هـ .

أفاده الرهوني قال الأصل فلذلك متى خرج عن باب المعروف امتنع إما لتحصيل منفعة المقرض أو لتردد بين الثمن والسلف لعدم تعين المعروف مع تعين المحذور ، وهو مخالفة القواعد أي الثلاثة المذكورة ، وكون العارية معروفا كالقرض إلا أنها تفارقه في أنها تجوز إذا وقعت إلى أجل بعوض بخلاف القرض ، وذلك [ ص: 5 ] أن العارية بعوض إجارة ، والإجارة لا يتصور فيها الربا ، ولا تلك المفاسد الثلاث ، والقرض بالعوض بيع فيتصور فيه الربا ، وكذلك إذا وقع القرض في العروض هو ربا فيحرم للآية إلا ما خصه الدليل ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية