الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا بأس أن يكاتبه على خدمة شهر ودينار بعد الشهر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : والكتابة تجوز على المنافع كما تجوز على الأعيان لجواز المعاوضة عليها ، ولذلك جاز الصداق بها ، فإذا جمع بينهما في الكتابة فقال : قد كاتبتك على خدمة شهر ودينار بعد الشهر ، ووصف الخدمة بما توصف به الإجارة فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يفصل بين انقضاء شهر الخدمة ، وبين محل الدينار الذي بعده ، ولو بيوم ، فيجعله مستحقا بعد انقضاء يوم من دخول الشهر الثاني ، فتصح هذه الكتابة ، لأنها على نجمين وإن كانا من جنسين متغايرين ، وتغاير أجناس العوض في العقد لا تمنع من صحته كما لا يمنع منها تغاير أجناس المعوض .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا كانت هذه الكتابة فاسدة ، لأنها معقودة على نجمين :

                                                                                                                                            أحدهما : حال وهو الخدمة .

                                                                                                                                            [ ص: 155 ] والثاني : مؤجل وهو الدينار .

                                                                                                                                            قيل : لا يلزم هذا ، وعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الخدمة ليست حالة وإن كان ابتداؤها من حين العقد ، لأنها منتظرة تقبض حالا بعد حال .

                                                                                                                                            والثاني : أن الكتابة على الحال لم تصح ، لتعذر الأداء على المكاتب ، والخدمة ليس يتعذر عليه أداؤها وإن حلت ، فافترقا .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يصل بينهما ، ولا يفصل فيجعل محل الدينار في أول الشهر الثاني ، فيصير متصلا بانقضاء الخدمة في آخر الشهر الأول ، ففيه لأصحابنا وجهان : أحدهما : حكاه أبو إسحاق المروزي عن بعض المتقدمين من أصحابنا أن الكتابة باطلة ، لأن اتصال أحد النجمين بالآخر يجعلهما نجما واحدا حتى يكون بينهما زمان لا يستحق فيه مطالبة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة أن الكتابة جائزة ، لأن النجمين ما تغاير وقت استحقاقهما ، واستحقاق الدينار في غير الوقت الذي يستحق فيه الخدمة فصارا نجمين ، فلذلك صحت بهما الكتابة ، وعلى تعليل الوجهين لو جعل محل الدينار في شهر الخدمة لم تصح الكتابة ، وقد قاله الشافعي نصا .

                                                                                                                                            ومن أصحابنا من ركب الباب على الوجه الأول ، وجوز فيه الكتابة وعلل في جوازها بأن ما مضى من شهر الخدمة قبل استحقاق الدينار نجم ، وما بقي منها بعد استحقاقه نجم آخر . وهذا التعليل فاسد ، لأنه لو كاتبه على خدمة شهرين لم تصح لأنها كتابة على نجم واحد ، وليس لقائل أن يقول أجيزها وأجعل كل شهر منها نجما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية