الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : ( والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ) .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . لا يعتق المكاتب إلا بأداء جميع الكتابة ، وبه قال من الصحابة عمر وعثمان وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                            ومن التابعين : سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسليمان بن يسار ومجاهد والزهري .

                                                                                                                                            ومن الفقهاء : مالك وأبو حنيفة وسفيان الثوري وأبو ثور وأحمد .

                                                                                                                                            وحكي عن ابن عباس أنه قال : إذا كتبت صحيفة المكاتب عتق بها ، وكان غريما بما عليه .

                                                                                                                                            وحكي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : إذا أدى قدر قيمته عتق وكان غريما بما فضل عنها .

                                                                                                                                            [ ص: 180 ] وحكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال : يعتق منه بقدر ما أدى ويرق منه بقدر ما بقي .

                                                                                                                                            وحكي عن شريح أنه قال : إذا أدى ثلث كتابته ، عتق وكان غريما بالباقي . وحكي عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : إذا أدى الشطر عتق ، وكان غريما بالباقي .

                                                                                                                                            وقد يستدل لهم على اختلاف أقاويلهم بحديث عكرمة عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يؤدي المكاتب بقدر ما عتق منه دية حر وبقدر ما رق منه دية عبد .

                                                                                                                                            فدل على أن عتقه لا يقف على أداء جميع المال .

                                                                                                                                            ودليلنا : حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء .

                                                                                                                                            وهذا نص ، وروى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد . أو قال : كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد " ولأن الكتابة لا تخلو إما أن يغلب فيها حكم المعاوضة ، فتجري مجرى البيع ، أو يغلب فيها حكم الصفة ، فتجري مجرى العتق بالصفة ، فإن جرت مجرى البيع فالبيع لا يلزم إلا بتسليم جميع ثمنه ، وإن جرى مجرى العتق بالصفة لم تقع إلا بوجود جميع الصفة ، فبطل بهذا ما قالوه .

                                                                                                                                            فأما حديث عكرمة مع ضعفه ، فلا حجة فيه ، لأنه جعل ديته بقدر ما عتق منه ، فلم يكن فيه دليل على قدر ما يعتق منه ، ويكون إن صح محمولا على عتق أحد الابنين على ما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية