الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 92 ] 40 - باب

                                الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله

                                فيه حديثان :

                                الأول :

                                635 666 - حدثنا عبد الله بن يوسف : أنا مالك ، عن نافع ، أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ، ثم قال : ألا صلوا في الرحال ، ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة برد ومطر يقول : ( ألا صلوا في الرحال ) .

                                التالي السابق


                                قد سبق هذا الحديث في ( باب : الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة ) ، خرجه البخاري هناك من رواية عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، قال : أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ، ثم قال : صلوا في رحالكم ، وأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ، ثم يقول على إثره : ( ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر ) .

                                ففي هذه الرواية : أن ذلك كان في السفر ، وأنه كان في الليلة الباردة أو المطيرة .

                                وليس ذكر السفر في رواية مالك ، وفي روايته : إذا كانت ليلة ذات برد ومطر .

                                وظاهره : الجمع بين البرد والمطر في ليلة واحدة .

                                وروى ابن إسحاق هذا الحديث عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بذاك في المدينة في الليلة المطيرة ، أو الغداة القرة .

                                [ ص: 93 ] خرجه أبو داود .

                                ولا نعلم ذكر المدينة في حديث ابن عمر في هذه الرواية ، ورواية عبيد الله أصح .

                                وأكثر أهل العلم على أن المطر والطين عذر يباح معه التخلف عن حضور الجمعة والجماعات ، ليلا ونهارا .

                                قال الترمذي : قد رخص أهل العلم في القعود عن الجماعة والجمعة في المطر والطين ، وسمى منهم : أحمد وإسحاق .

                                وحكاه بعض أصحابنا عن جمهور العلماء .

                                وحكي عن مالك : أن المطر ليس بعذر في ترك الجمعة خاصة .

                                وروي نحوه عن نافع مولى ابن عمر .

                                وقال سفيان الثوري : لا يرخص لأحد في ترك الجمعة إذا كان في مصر يجمع فيه ، إلا لمرض مضن ، أو خوف مقطع .

                                وحكي عن أحمد رواية أخرى : أن المطر والوحل ليس بعذر في الحضر ، إنما هو عذر في السفر ؛ لأن الأحاديث الصحيحة إنما جاءت بذلك في السفر ، كحديث ابن عمر ، وفي ( صحيح مسلم ) من حديث جابر ، نحوه ، وليس في الحضر إلا حديث ابن إسحاق المتقدم ، وحديث يروى عن نعيم النحام ، وقد ذكرناه في ( أبواب : الأذان ) ، وفي إسناده مقال .

                                ومقتضى هذا القول : أن الجمعة لا يباح تركها بذلك ؛ لأنها لا تكون إلا في الحضر ، ولكن قد روي عن جماعة من الصحابة أنه يعذر في ترك الجمعة بالمطر والطين ، منهم : ابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة وأسامة بن عمير والد [ ص: 94 ] أبي المليح ، ولا يعرف عن صحابي خلافهم ، وقولهم أحق أن يتبع .

                                وروى هشام ، عن قتادة ، قال : قال محمد بن سيرين : ما كان يختلف إذا كان يوم الجمعة في يوم مطر في الرخصة للرجل أن يجلس عن الجمعة في بيته .

                                خرجه الفريابي في ( كتاب الصلاة ) .

                                وذكر ابن المنذر : أن المطر عذر في الليلة المطيرة .

                                وهذا يفهم منه أنه لا يكون عذرا في النهار ؛ لأن حديث ابن عمر إنما فيه ذكر الليل .

                                ولكن روى قتادة ، عن أبي المليح بن أسامة ، عن أبيه ، أن يوم حنين كان يوم مطر ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديه : أن الصلاة في الرحال .

                                خرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) ، والحاكم .

                                وخرجه أبو داود - أيضا - من طريق أبي قلابة ، عن أبي المليح ، عن أبيه ، أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمان الحديبية في يوم جمعة ، وأصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم ، فأمرهم أن يصلوا في رحالهم .

                                وخرجه الإمام أحمد من حديث شعبة ، عن عمرو بن أوس ، عن رجل ، حدثه مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم مطر : صلوا في الرحال .

                                [ ص: 95 ] وروي من حديث نعيم النحام ، أن ذلك كان في أذان الصبح ، وقد سبق ذكره .

                                ولأن الصحابة جعلوا المطر والطين عذرا في ترك الجمعة ، والجمعة إنما تقام نهارا ، فعلم أن ذلك عندهم عذر في الليل والنهار .

                                وقد روي في حديث مرسل ، خرجه وكيع عن المغيرة بن زياد ، عن عطاء ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر ، فأصابهم مطر ، فصلى بالناس في رحالهم ، وبلال يسمع الناس التكبير .

                                وهو مرسل .

                                وهو يدل على أنهم صلوا جماعة ، لكن كل إنسان صلى في رحله ، وهذا غريب جدا .

                                وأما الريح الشديدة الباردة ، فقال أصحابنا : هي عذر في ترك الجماعة في الليلة المظلمة خاصة .



                                الخدمات العلمية