الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 435 ] سورة الأنبياء

                                                                                                                                                                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                        اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: اقترب للناس حسابهم أي اقترب منهم ، وفيه قولان: أحدهما: قرب وقت عذابهم ، يعني أهل مكة ؛ لأنهم استبطئوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا ، فكان قتلهم يوم بدر ، قاله الضحاك .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: قرب وقت حسابهم وهو قيام الساعة. وفي قربه وجهان: أحدهما: لا بد آت ، وكل آت قريب.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: لأن الزمان لكثرة ما مضى وقلة ما بقي قريب. وهم في غفلة معرضون يحتمل وجهين:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 436 ] أحدهما: في غفلة بالدنيا معرضون عن الآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: في غفلة بالضلال ، معرضون عن الهدى. قوله تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث التنزيل مبتدأ التلاوة لنزوله سورة بعد سورة. وآية بعد آية ، كما كان ينزله الله عليه في وقت بعد وقت. إلا استمعوه أي استمعوا تنزيله فتركوا قبوله. وهم يلعبون فيه وجهان: أحدهما: أي يلهون.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يشتغلون. فإن حمل تأويله على اللهو احتمل ما يلهون به وجهين: أحدهما: بلذاتهم.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: بسماع ما يتلى عليهم. وإن حمل تأويله على الشغل احتمل ما يشتغلون به وجهين: أحدهما: بالدنيا ؛ لأنها لعب كما قال تعالى: إنما الحياة الدنيا لعب ولهو [الحديد: 20] .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يتشاغلون بالقدح فيه والاعتراض عليه. قال الحسن : كلما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل. قوله عز وجل: لاهية قلوبهم فيه وجهان: أحدهما: يعني غافلة باللهو عن الذكر ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: مشغلة بالباطل عن الحق ، قاله ابن شجرة ، ومنه قول امرئ القيس:

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 437 ]

                                                                                                                                                                                                                                        فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع فألهيتها عن ذي تمائم محول



                                                                                                                                                                                                                                        أي شغلتها عن ولدها. ولبعض أصحاب الخواطر وجه ثالث: أنها غافلة عما يراد بها ومنها. وأسروا النجوى الذين ظلموا فيه وجهان: أحدهما: ذكره ابن كامل أنهم أخفوا كلامهم الذي يتناجون به ، قاله الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: يعني أنهم أظهروه وأعلنوه ، وأسروا من الأضداد المستعملة وإن كان الأظهر في حقيقتها أن تستعمل في الإخفاء دون الإظهار إلا بدليل. هل هذا إلا بشر مثلكم إنكارا منهم لتميزه عنهم بالنبوة. أفتأتون السحر وأنتم تبصرون ويحتمل وجهين: أحدهما: أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعرفون الحق. قوله تعالى: بل قالوا أضغاث أحلام فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أهاويل أحلام رآها في المنام ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: تخاليط أحلام رآها في المنام ، قاله قتادة ، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        كضغث حلم غر منه حالمه



                                                                                                                                                                                                                                        الثالث: أنه ما لم يكن له تأويل ، قاله اليزيدي. وفي الأحلام تأويلان: أحدهما: ما لم يكن له تأويل ولا تفسير ، قاله الأخفش.

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني: إنها الرؤيا الكاذبة ، قاله ابن قتيبة ، ومنه قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                        أحاديث طسم أو سراب بفدفد     ترقرق للساري وأضغاث حالم



                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 438 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية