الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      أبو سفيان بن الحارث

                                                                                      هو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، أخو نوفل وربيعة . [ ص: 203 ]

                                                                                      تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلما ، فانزعج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعرض عنه ; لأنه بدت منه أمور في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فتذلل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رق له ، ثم حسن إسلامه ، ولزم ، هو والعباس رسول الله يوم حنين إذ فر الناس ، وأخذ بلجام البغلة ، وثبت معه .

                                                                                      وقد روى عنه ولده عبد الملك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني هاشم ، إياكم والصدقة " .

                                                                                      وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، أرضعتهما حليمة .

                                                                                      سماه هشام بن الكلبي ، والزبير : مغيرة . وقال طائفة : اسمه كنيته ; وإنما المغيرة أخوهم .

                                                                                      وقيل : كان الذين يشبهون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر ، والحسن بن علي ، وقثم بن العباس ، وأبو سفيان بن الحارث .

                                                                                      وكان أبو سفيان من الشعراء ، وفيه يقول حسان :

                                                                                      ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء     هجوت محمدا فأجبت عنه
                                                                                      وعند الله في ذاك الجزاء

                                                                                      ابن إسحاق : عن عاصم بن عمر ، عمن حدثه ، قال : تراجع الناس يوم حنين . [ ص: 204 ] ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أبا سفيان هذا ، وشهد له بالجنة ، وقال : " أرجو أن يكون خلفا من حمزة " .

                                                                                      قيل : إن أبا سفيان حج ، فحلقه الحلاق ، فقطع ثؤلولا في رأسه ، فمرض منه ومات بعد قدومه بالمدينة ، وصلى عليه عمر . ويقال : مات بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر .

                                                                                      قال أبو إسحاق السبيعي : لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال : لا تبكوا علي ; فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت .

                                                                                      قال ابن إسحاق : ولأبي سفيان يرثي النبي - صلى الله عليه وسلم - :

                                                                                      أرقت فبات ليلي لا يزول     وليل أخي المصيبة فيه طول
                                                                                      وأسعدني البكاء وذاك فيما     أصيب المسلمون به قليل
                                                                                      فقد عظمت مصيبتنا وجلت     عشية قيل قد قبض الرسول
                                                                                      فقدنا الوحي والتنزيل فينا     يروح به ويغدو جبرئيل
                                                                                      وذاك أحق ما سالت عليه     نفوس الخلق أو كادت تسيل
                                                                                      نبي كان يجلو الشك عنا     بما يوحى إليه وما يقول
                                                                                      ويهدينا فلا نخشى ضلالا     علينا ، والرسول لنا دليل
                                                                                      فلم نر مثله في الناس حيا     وليس له من الموتى عديل
                                                                                      [ ص: 205 ] أفاطم إن جزعت فذاك عذر     وإن لم تجزعي فهو السبيل
                                                                                      فعودي بالعزاء فإن فيه     ثواب الله والفضل الجزيل
                                                                                      وقولي في أبيك ولا تملي     وهل يجزي بفضل أبيك قيل
                                                                                      فقبر أبيك سيد كل قبر     وفيه سيد الناس الرسول
                                                                                      وقد انقرض نسل أبي سفيان

                                                                                      . قاله ابن سعد .

                                                                                      حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره الصلاة ، ثم يصلي من الظهر إلى العصر .

                                                                                      حماد بن سلمة : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة فحج ، فحلقه الحلاق ، وفي رأسه ثؤلول فقطعه فمات . فيرونه شهيدا .

                                                                                      ويقال مات سنة عشرين بالمدينة .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية