قواعد الترجيح عند المفسرين

19/04/2015| إسلام ويب

الناظر في كتب التفسير كثيراً ما يقف على تعدد في الأقوال حول المراد من لفظ قرآني، أو آية قرآنية، أو توجيه لمعنى معين، ونحو ذلك من تعدد في الأقوال، والآراء. وأحياناً يختلط على القارئ غير المتمرس الخطأ بالصواب، والحق بالباطل. من أجل حرص المفسرون على وضع قواعد تفسيرية يستعين بها المفسر في الترجيح بين الأقوال والآراء، ويستهدي بها لمعرفة القول الحق من القول الباطل، يقول الشيخ ابن تيمية رحمه الله في هذا الصدد: "فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كلية، تعين على فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه، والتمييز في منقول ذلك ومعقوله بين الحق وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل؛ فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغَثِّ والسمين، والباطل الواضح والحق المبين". 

وعلى الرغم من أهمية قواعد الترجيح في تعيين المراد من آيات القرآن الكريم، بيد أن العلماء المتقدمين لم يفردوا هذه القواعد بالتصنيف والتأليف، بل بثوها في تضاعيف تفاسيرهم، وأحياناً في مقدماتهم، وقد أفردها بالتأليف بعض أهل العلم المعاصرين. 

ونحن في هذا المقال نذكر جملة صالحة من قواعد الترجيح، التي يستعين بها المفسر في الترجيح بين الأقوال، ويتبين على ضوئها الصحيح منها من الخطأ، ويقف على الحق منها من الباطل. 

وتيسيراً للوقوف على هذه القواعد، فإننا سوف نصنفها وفق خمسة اعتبارات، مكتفين بسردها:

الاعتبار الأول: قواعد الترجيح المتعلقة بالنص القرآني

القاعدة الأولى: لا تصح دعوى النسخ في آية من كتاب الله إلا إذا صح التصريح بنسخها، أو انتفى حكمها من كل وجه.

القاعدة الثانية: إذا وقع التعارض بين احتمال النسخ واحتمال التخصيص، فالتخصيص أولى.

القاعدة الثالثة: إذا وقع التعارض بين النسخ والإضمار، فالإضمار أولى.

القاعدة الرابعة: إذا وقع التعارض بين النسخ والمجاز، فالمجاز أولى. 

القاعدة الخامسة: إذا وقع التعارض بين النسخ والاشتراك، فالاشتراك أولى.

القاعدة السادسة: إذا وقع التعارض بين النسخ والنقل، فالنقل أولى. 

القاعدة السابعة: إذا دل موضع من القرآن على المراد بموضع آخر حملناه عليه، ورجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال.

الاعتبار الثاني: قواعد الترجيح المتعلقة بالقراءات

القاعدة الأولى: إذا ثبتت القراءة فلا يجوز ردها، أو رد معناها، وهي بمنزلة آية مستقلة.

القاعدة الثانية: اتحاد معنى القراءتين أولى من اختلافه.

القاعدة الثالثة: معنى القراءة المتواترة أولى بالصواب من معنى القراءة الشاذة.

القاعدة الرابعة: الوجه التفسيري والإعرابي الموافق لرسم المصحف أولى من الوجه المخالف.

الاعتبار الثالث: قواعد الترجيح المتعلقة بالسياق القرآني

القاعدة الأولى: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما إلا بدليل يجب التسليم به.

القاعدة الثانية: لا يجوز العدول عن ظاهر القرآن إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

القاعدة الثالثة: حمل معاني كلام الله على الغالب من أسلوب القرآن ومعهود استعماله أولى من الخروج به عن ذلك.

الاعتبار الرابع: قواعد الترجيح المتعلقة بالسنة والآثار والقرائن

القاعدة الأولى: إذا ثبت الحديث، وكان نصاً في تفسير الآية، فلا يصار إلى غيره.

القاعدة الثانية: إذا ثبت الحديث، وكان في معنى أحد الأقوال، فهو مرجِّح له على ما خالفه.

القاعدة الثالثة: كل تفسير خالف القرآن أو السنة أو إجماع الأمة فهو رد.

القاعدة الرابعة: لا يصح حمل الآية على تفسيرات وتفصيلات لأمور مغيبة لا دليل عليها من القرآن أو السنة.

القاعدة الخامسة: إذا صح سبب النزول الصريح، فهو مرجِّح لما وافقه من أوجه التفسير.

القاعدة السادسة: إذا ثبت تاريخ نزول الآية أو السورة، فهو مرجِّح لما وافقه من أوجه التفسير.

القاعدة السابعة: تفسير السلف وفهمهم لنصوص الوحي حجة على من بعدهم.

القاعدة الثامنة: تفسير جمهور السلف مقدم على كل تفسير شاذ.

القاعدة التاسعة: القول الذي تؤيده قرائن السياق مرجِّح على ما خالفه.

القاعدة العاشرة: القول الذي تؤيده آيات قرآنية مقدم على ما عُدِم ذلك.

القاعدة الحادية عشرة: القول الذي يعظِّم مقام النبوة، ولا ينسب إليها ما لا يليق بها أولى بتفسير الآية.

القاعدة الثانية عشرة: كل قول طعن في عصمة النبوة ومقام الرسالة فهو مردود.

القاعدة الثالثة عشرة: قول الجمهور وأكثر المفسرين مرجح لغيره من الأقوال.

الاعتبار الخامس: قواعد الترجيح المتعلقة بلغة العرب

القاعدة الأولى: كل تفسير ليس مأخوذاً من دلالة ألفاظ الآية وسياقها فهو رد على قائله.

القاعدة الثانية: ليس كل ما ثبت في اللغة صح حمل آيات التنزيل عليه.

القاعدة الثالثة: يجب حمل كلام الله تعالى على المعروف من كلام العرب دون الشاذ والضعيف والمنكر.

القاعدة الرابعة: يجب حمل نصوص الوحي على الحقيقة.

القاعدة الخامسة: إذا اختلفت الحقيقة الشرعية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام تعالى قُدِّمت الشرعية.

القاعدة السادسة: إذا اختلفت الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية في تفسير كلام تعالى قُدِّمت العرفية.

القاعدة السابعة: القول بالاستقلال مقدَّم على القول بالإضمار.

القاعدة الثامنة: القول بالترتيب مقدَّم على القول بالتقديم والتأخير.

القاعدة التاسعة: إذا أمكن حمل الضمير على غير الشأن فلا ينبغي الحمل عليه.

القاعدة العاشرة: إعادة الضمير إلى مذكور أولى من إعادته إلى مقدر.

القاعدة الحادية عشرة: إعادة الضمير إلى المحدَّث عنه أولى من إعادته إلى غيره.

القاعدة الثانية عشرة: توحيد مرجع الضمائر في السياق الواحد أولى من تفريقها.

القاعدة الثالثة عشرة: الأصل إعادة الضمير إلى أقرب مذكور ما لم يرد دليل بخلافه.

القاعدة الرابعة عشرة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية اللائقة بالسياق والموافقة لأدلة الشرع.

القاعدة الخامسة عشرة: يجب حمل كتاب الله على الأوجه الإعرابية القوية والمشهورة دون الضعيفة والشاذة والغريبة.

ونختم حديثنا عن قواعد الترجيح عند المفسرين بالملاحظات التالية:

الملاحظة الأولى: تميز بعض المفسرين عن بعض في تطبيق القواعد الترجيحية كثرة وقلة، وتحريراً وتأصيلاً لها، وتمثيلاً وترجيحاً بها؛ فمثلاً يلاحظ اهتمام الإمام الطبري بقواعد الترجيح المتعلقة بالسياق، وقواعد الترجيح المتعلقة باستعمال العرب للألفاظ والمباني، وتميزه في تحريرها، والترجيح بها على عكس قواعد الترجيح المتعلقة بالضمائر، فإن اهتمامه بها قليل. بالمقابل اهتم أبو حيان بقواعد الترجيح المتعلقة بالضمائر أكثر من اهتمامه بقواعد السياق، في حين اهتم الزمخشري وابن عطية كثيراً بقواعد السياق أكثر من غيرها. أما الشنقيطي فقد اهتم كثيراً بقواعد الأصول واللغة تحريراً وتأصيلاً، وتمثيلاً وتطبيقاً عند كل مناسبة. وهذا كله راجع إلى تأثر المفسر واهتمامه العلمي وتخصصه.

الملاحظة الثانية: أكثر قواعد الترجيح التي أتينا على ذكرها مشهورة معروفة نظريًّا، بيد أن تطبيقها بين أقوال المفسرين ليس بارزاً بروزاً يوازي شهرتها.

الملاحظة الثالثة: بعض قواعد الترجيح متفق عليها، أو على الأقل متفق على أصلها، لكن الخلاف يقع في تطبيقها، أو حتى في تأصيلها، واعتمادها.

الملاحظة الرابعة: تفيدنا قواعد الترجيح في معرفة الراجح من الأقوال في تفسير الآية، ما يسهم في معرفة وحفظ أرجح الأقوال في تفسير آيات الكتاب الكريم بعد تعذر حفظ كل الأقوال.

الملاحظة الخامسة: بعض قواعد الترجيح قد تتنازع المثال الواحد، فبعضها يطلب ترجيح قول، وبعضها يطلب ترجيح قول آخر، فضابط الترجيح بينها غلبة الظن.

الملاحظة السادسة: دراسة قواعد الترجيح تعطي رصيداً علميًّا غزيراً، وتكسب مَلَكَة واسعة في مقارنة أقوال المفسرين، وسبرها ومناقشتها، والوقوف بذلك على أرجح الأقوال بدليله. 

* معظم مادة هذا المقال مستفادة من كتاب "قواعد الترجيح عند المفسرين: دراسة نظرية تطبيقية" حسين بن علي الحربي.

www.islamweb.net